كتاب إعراب لا إله إلا الله

وقد قال العطار1 في شرح الكراسة: إذا قلت "لا فيها رجل" رفعت على الابتداء لا غير، لأنه لا يتقدم خبر "ما" الحجازية، يعني "لا" العاملة عمل ليس. وإلا فالعاملة عمل إنّ امتناع التقديم فيها لأجل تركبها مع لا. وإن حملت كلامه على الإِطلاق، فالكلام معه كالكلام مع ابن الضائع.
وقد ردّ ابن الحاجب2 على من جعل "إلا الله " خبرا. وسبق3 إلى ذلك الأندلسي، قال: لأنه مستثنى من الاسم، ولا يجوز أن يكون المستثنى خبرا عن المستثنى منه، لأنه مبين له4. ويمكن أن يقال لا نسلّم أن الاستثناء إخراج من المحكوم عليه بل من الحكم. سلّمنا أنه إخراج من المحكوم عليه، لكن المستثنى منه المحكوم عليه ليس اسم "لا" الذي أخبر عنه بـ "إلا الله"، إلا أنه حذف لقصد التفريغ وأقيم المستثنى مقامه، وأعرب بإعرابه.
وهذا فرق ما بين الأقوال السابقة. وهذا حيث جعلنا الاستثناء فيها تاما، وهنا مفرغا، مع أن الخبر وهو "موجود" فيهما محذوف. إلا أن ذلك حذف لمحذوف محكوم له بحكم الثابت، وهذا فيه حذف لمحذوف معرض عنه في الإعراب.
وقد ردّ أبو البقاء العكبري هذا الإعراب أيضا في شرح الخطب النباتية، بأنه يلزم منه الإخبار بالخاص عن العام، وهذا مع الإخبار بالمعرفة عن النكرة.
ويمكن أن يقال إنما يمنع ذلك في الإثبات، كقولنا: الحيوان إنسان. أما في النفي
__________
1 إبراهيم بن عبد السلام الصنهاجي، المعروف بالعطار، له كتاب المشكاة والنبراس في شرح المقدمة الجزولية، فرغ منه عام 705هـ. (انظر: معجم المؤلفين 1/47. عن إيضاح المكنون للبغدادي 2/488) .
والمقدمة الجزولية في النحو، وتسمى الكراسة، والقانون، صنفها أبو موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي المراكشي البربري المتوفى سنة607 هـ. وهي حواش على جمل الزجاجي بعبارات موجزة بها من المنطق، اعتمد فيها على شيخه ابن بري، وشرحها كثير من العلماء. (انظر: كشف الظنون 2/1800. تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/349) . وقد أشار بروكلمان إلى وجود المشكاة والنبراس للعطار في جامع القرويين بفاس.
2 في المخطوطة "سيبويه وابن الحاجب". وابن الحاجب هو عثمان بن عمر المقرئ النحوي الأصولي الفقيه المالكي، حفظ القرآن في صغره بالقاهرة، وأخذ بعض القراءات عن الشاطبي، وبرع في الأصول والعربية. ومن مصنفاته في النحو: الكافية وشرحها، والإيضاح في شرح المفصل، والأمالي النحوية. وله في التصريف الشافية وشرحها. مات سنة 646هـ.
(انظر: بغية الوعاة 2/134) .
3 في المخطوطة "وسبقه" والظاهر أن ابن الحاجب هو السابق.
4 قال ابن الحاجب عن الاسم الواقع بعد إلا في نحو لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي: لا يصح أن يكون خبرا، لأنه مستثنى من مذكور والمستثنى كذلك لا يصح أن يكون خبرا عن المستثنى منه، لأنه لم يذكر إلا ليتبين به ما قصد بالمستثنى منه. (انظر: الإيضاح في شرح المفصل 1/217) .
قال الصبان 2/17 في " لا إله إلا الله": ... ولا يصح أن يكون لفظ الجلالة خبر إله لتعريفه وتنكير إله، ولما قال ابن الحاجب من أن المستثنى من مذكور لا يكون خبرا عن المستثنى منه، لأنه لم يذكر إلا لبيان ما قصد بالمستثنى منه. واحترز بقوله "من مذكور" من نحو {وما محمد إلا رسول} ...

الصفحة 59