كتاب إعراب لا إله إلا الله

فلا. وقد ردّ ابن عمرون قول من جعل "إلا الله" خبرا بجواز نصب "إلا الله" على الاستثناء، ومحال نصب خبر لا المشبهة بأن، وإن كان الرفع المشهور. انتهى.
ولقائل أن يقول إذا نصبنا لم نعتقد الخبر إلا محذوفا. ولا يحسن الرد بهذا على من جعل "إلا" خبرا، مع تجويزه الوجوه السابقة. والله أعلم.
خامسها: أن "لا إله" في موضع الخبر، و"إلا الله" في موضع المبتدأ. ذكر ذلك الزمخشري1 في كلام تلقفه عنه بعض تلامذته، وكتب ما ملخصه: اعلم أن متقدمي الشيوخ ذهبوا إلى أن قولنا: لا إله إلا الله، كلام غير مستقل بنفسه، بل بتقدير خبر، أي في الوجود، أو موجود، أو لنا. تقدير قولنا: لا رجلَ في الدار إلا زيدٌ. فجعلوا الكلام جملتين. وليس كذلك، ولا يحتاج إلى تقدير، لأن الكلام لا يخلو من وجهين: أحدهما أصل الكلام. الثاني: تفريع يزيد الكلام تحقيقا، وفائدة زائدة.
نحو: ما جاءني رجل. يفيد نفي واحد غير معين، فيجوّز السامع مجيء اثنين. [فلذلك يصحّ أن يقول: ما جاءني رجل بل رجلان] 2. فإذا قيل: ما جاءني من رجل، [فيعلم السامع أنه لم يجئه أحد من جنس الرجال] ، فلم يصحّ: ما جاءني من رجل بل رجلان3.
__________
1 قال ابن هشام في المغني 634: ولم يتكلم الزمحشري في كشافه على المسألة، اكتفاء بتأليف مفرد له فيها، وزعم فيه أن الأصل "الله إله " والمعرفة مبتدأ، والنكرة خبر، على القاعدة، ثم قدم الخبر، تم أدخل النفي على الخبر والإيجاز على المبتدأ، وركبت "لا" مع الخبر. فيقال له: فما تقول في نحو: لا طالعاً جبلاً إلا زيد، لم انتصب خبر المبتدأ؟ فإن قال: إن لا عاملة عمل ليس، فذلك ممتنع لتقدم الخبر ولانتقاض النفي ولتعريف أحد الجزأين. أما قاله "يجب كون المعرفة مبتدأ " فقد مرّ أن الإخبار عن النكرة المخصصة المقدمة بالمعرفة جائر نحو {إن أولى بيت وضع للناس للذي ببكة} .
وقال الشيخ خالد في التصريح 6/ 246: وقال أبو حيان. وأكتر ما يحذفه الحجازيون- أي خبر لا- إذا كان مع إلاّ نحو "لا إله إلا، الله " أي لنا أو في الوجود أو نحو ذلك. قال الزمخشري في جزء له لطيف على كلمة الشهادة: هكذا قالوا، والصواب أنه كلام تام ولا حذف، وأن الأصل (الله إله) مبتدأ وخبر، كما تقول زيد منطلق، ثم جيء بأداة الحصر، وقدم الخبر على الاسم وركب مع لا كما ركّب المبتدأ معها في نحو. لا رجل في الدار، ويكون "الله " مبتدأ مؤخرا، و"إله " خبرا مقدما. وعلى هدا تخريج نظائره نحو: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. نقله الموضح عنه وقال بعده: قلت وقد يرجح قوله بأن فيه سلامة من دعوى الحذف، ودعوى إبدال مالا يحل محل المبدل منه، وذلك على قول الجمهور، ومن الإخبار عن النكَرة بالمعرفة، وعن العام بالخاص، وذلك على قول من يجعل المرفوع خبرا اهـ.
2 ما بين المعقوفتين من مسألة في كلمة الشهادة للزمخشري.
3 تأتي "من" زائدة للتنصيص على العموم، وهي الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي، نحو: ما جاءني من رجل، فهي للتنصيص على العموم، فقبل دخول "من" يحتمل الوحدة ونفي الجنس على سبيل العموم، ولهذا يصح أن يقال: بل رجلان، وبعد دخول "من" يصير نصا نفي الجنس على سبيل العموم فيمتنع أن يقال بل رجلان ... (انظر: التصريح 2/8) .

الصفحة 60