كتاب إعراب لا إله إلا الله

وكذا {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 1 و {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} 2، لو لم يأت بـ "ما" جوّزنا أن اللين واللعن كانا للسببين المذكورين ولغيرهما، وحين دخلت "ما" قطعنا بأن اللين لم يكن إلا للرحمة، وأن اللعن لم يكن إلاّ لأجل نقض الميثاق.
والاستثناء من تفريعات الكلام يزيده تأكيداً، فأصل الكلام: جاءني زيد.
وهذا لا يقتضي قطع السامع بأن غير زيد لم يجيء، فإذا أريد جمع المعنيين، مجيء زيد ونفي مجيء، غيره قيل: ما جاءني إلا زيد.
وكذا في مسألتنا: الله إله، يوازن: زيد منطلق. فلما فرّع عليه وقيل "لا إله إلا الله" أفاد الفائدتين: إثبات الإلهية لله تعالى، ونفيها عمّا سواه.
فإذن "لا إله" في موضع الخبر، و"إلا الله" في موضع المبتدأ. يوضح هذا أن "لا" تطلب النكرة أبدا3، لا تقول: لا زيد منطلق. والمبتدأ يجب أن يكون معرفة والخبر نكرة.
ثم تكلم بكلم آخر. [انتهى ملخص كلام الزمخشري] .
وهذا الإعراب ارتضاه جماعة منهم ابن الحاجب وبعض مشايخنا، وذكره في ابتداء تدريسه قاضي القضاة جلال الدين القزويني4، رحمه الله، بالقاهرة، وأنكره بعض العلماء، ولم يبين لفساده معنى، وقد رُدّ بمخالفته الإجماع من وجهين: أحدهما أن "لا" إنما يبنى معها المبتدأ لا الخبر. الثاني: جوار النصب بعد إلاّ5.
__________
1 سورة آل عمران آية: 159.
قال الزجاج: "ما بإجماع النحويين هاهنا صلة لا تمنع الباء من عملها فيما عملت، المعنى فبرحمة من الله لنت لهم. إلا أن ما قد أحدثت بدخولها توكيد المعنى.. (انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/482) .
وقال الزمخشري في الكشاف 1/226: "ما" مزيدة للتوكيد، والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله، ونحوه {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم} . (وانظر: الدر المصون للسمين 3/460، 4/142) .
2 سورة المائدة آية: 13.
3 قال سيبويه 2/296: واعلم أن المعارف لا تجري مجرى النكرة في هذا الباب، لأن "لا" لا تعمل في معرفة أبدا.
وقال ابن مالك في شرح الكافية الشافية 1/521: إذا قصد بـ"لا" نفي الجنس على سبيل الاستغراق اختصت بالاسم، لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود "مِن" لفظا أو معنى، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات ...
4 محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي، ولد سنة 666هـ واشتغل وتفقه، وأتقن الأصول والعربية والمعاني والبيان، وكان ذكيا فصيحا. ومن تصانيفه: تلخيص المفتاح للسكاكي، وإيضاح التلخيص. مات سنة 739هـ. (انظر: بغية الوعاة 1/156_157) .
5 قال الشيخ يس في حاشيته على التصريح 1/246: ... وقال الدماميني في الجهة السادسة من الباب الخامس من حواشي المغني: ولا يخفي ضعف هذا القول، يعني قول الزمخشري، وأنه يلزم منه أن الخبر يبني مع "لا" ولا يبني معها إلا المبتدأ، ثم لو كان كذلك لم يجز نصب الاسم العظيم، وقد جوّزوه.

الصفحة 61