كتاب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه

استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإِسلام، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل عليه السلام في ذلك، حتى أنزل الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... } إلى قوله: {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ... } الممتحنة: 4. يعنى إلا في هذا القول، فلا تتأسوا به، ثم بين تعالى إن إبراهيم أقلع عن ذلك ورجع عنه، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} التوبة: 1141.
ومن قبل إبراهيم نوح عليه السلام، عندما لجأ إلى ربه وسأله المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين، فقال تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً} نوح: 38.
وذكر بعض أهل العلم أن أبويه كانا مسلمين2.
سابعا: إن الله سبحانه عرض لنا في كتابه العزيز نماذج من سيرة بعض الأنبياء عليهم السلام، في برهم بوالديهم من أجل الاقتداء والاتساء وهذا من الاهتمام بشأن الوالدين، فمن ذلك:
أ- موقف يحيى بن زكريا عليهما السلام من والديه:
قال تعالى: {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} مريم: 14.
إنه موقف البر والإِحسان ومجانبة العقوق والعصيان.
قال ابن كثير: لما ذكر تعالى طاعته لربه، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما، ومجانبته عقوقهما قولا أو فعلا، أمرا أو نهيا، ولهذا قال: {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك: ٍ {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً} أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال3.
__________
1 تفسير القرآن العظيم (4/ 461) . ط دار الفكر.
2 انظر تفسير القرطبي (18/313) .
3 تفسير القرآن العظيم (4/443) .

الصفحة 139