كتاب تفسير الكتاب العزيز وإعرابه
يُقْرَأْ بالْفَتحِ إلا في الشّاذ، 1وَهُوَ نَعْتٌ لِلّذيْنَ على مَعْنَى اْلمَغْضُوب عَلَيْهِم وَلاَ الضالين، وَلِذَلِكَ جِيء بلاَ في وَلاَ الضّالِين كَأنَّها كُرّرَتْ، فَقَدْ صَارَ هذا بمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلً لا مُسْلمً وَلاَ كَافِرٍ.
والمعنى: إنّ المنْعَمَ عليهِم خَرَجَوا عِن الغَضَب والضّلالِ، فمَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِ فَلَيْسَ بمنعَمٍ عَلَيْهِ، وكذلِكَ مَنْ ضَلَّ لَيْسَ بمُنْعَمٍ عًلَيْهِ، وَلاَ إذا دخَلَتْ على الصِّفةِ أو الحال فلابُدَّ فيها مِن التَّكْرار، وَكَأَنَّها جَوابٌَ لمَنْ قالَ: أكذا أم كذا..
فَإذا قُلْتُ: مَررْتُ برجلٍ لا سَاكتٍ وَلا مُتَكَلّمٍ، كأنَّهُ جوابٌ لِمَنْ قالَ: أَساكِتاً كَانَ أَمْ كِّلماً، فَيَقُولُ: لا سَاكِتٌ ولا متكلمٌ، أيْ لَمَ يأْتِ في كَلامِهِ بِفَائِدَةٍ.
وَكَذلِكَ لا مَتى لَزِمَتْ التّكْرارَ إنَّما تَلْزمُ التّكْرارَ على هذا الْوَجْهَ، وَقَدْ يُقالُ غيرُهُ في هذا اْلمَعنى، فتقولُ: مررت برَجُلٍ غيرَ سَاكِتٍ وغيرَ مُتَكلّم، على مَعْنى: لا سَاكِتِ وَلا مُتكلم.2
فإذا صَحَّ أنّ غيرَ في هذا اْلموَطِنِ تَقَعُ مَوْقِعَ لا صَحَّ أَنْ تأتي بغيرٍ وَتَأْتي بلا فتقولَ:، مررت بِرَجًلٍ غَيْرُ سَاكِتٍ وَلا مُتكَلَّمٍ، وَعَلَيْهِ جاء: غيرِ اْلمَغْضُوبَِ عَلَيْهِم وَلا الضَّالِين.
وَقَدْ نُقِلَ في الشَّاذِّ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَغير الضَالِين. نقل ذلِكَ عن عمر وعلي وأبيّ 3، وَهِيَ قِرَاءَةٌ جيدة إلا إنّها لَمْ يُقْرَأْ بها في السَّبْعِ.
فإنْ قلتَ: كَيْفَ تكونُ غيرُ نعتاً للمعرفة وهي نكرة، لأنّ إضافتَها لَيْسَتْ للتّعريف؟
قلتُ: غيْرُ هُنا إذا لم تُضفْ إضافَة تعريفٍ تَجرِي على النّكراتِ وعلى المعارِف
__________
1هذه القراءة لابن كثير، قال الخليل: وهى جائزة على وجه الصفة للّذين على القطع من الجر إلى النّصب بفعل مقدر. ينظر السبعة: 112، ومختصر شواذ القراءات: 1، وإعراب القراءات ق: 36.
2ينظر معاني القرآن وإعرابه 1/ 54.
3ينظر المحرر الوجيز 1/ 131، وفتح الباري كتاب التفسير 8/ 159.
الصفحة 394
456