كتاب جولة في كتابي (الأغاني) و (السيف اليماني)

وهذا أيضا ما يفهم من تلقيب ابن خلدون إياه بالقاضي 1/ 34.
ومع ذلك كله لا نجد في حياته ما يدل على احتفاظه بعزة النفس، بل نجد ما يدل على الدناءة وذلك في مثل قوله لممدوحه الوزير المهلبي من قصيدة يصور بها أثر البرد في بناته أو نسائه:
فهذي تحنُّ وهذي تئنُّ
...
وادمع هاتيك تجري دررْ
إذا ما تململن تحت الظلام
...
تعللن منك بحسن النظر
فأنعم بإنجاز ماقد وعدت
...
فما غيرك اليوم من يُنتظر
ولعل من وساخة نفسه ذلك الحسد الذي يثور به عندما يشاهد نعمةً على أحد فيقول:
فإذا رأيت فتى بأعلى رتبةٍ
...
في شامخ من عزه المترفعِ
قالت لي النفس العزوف بفضلها
...
ما كان أولاني بذاك الموضع
وفي هذه الترجمة المكثفة ما يكشف للحصيف الكثير من مكوِّنات هذا الإنسان. فلنقف على بعض نقاطها محاولين استخلاص بعض خلفياتها.
شعوبية أم شيعية:
إنه أموي دون خلاف، وهي نسبةُ تضادُّ التشيع، فكيف حدث هذا؟.
وقبل الجواب لابد أن نعود بالذاكرة إلى أيام انهيار الحكم الأموي، تحت مطارق الثورة العباسية التي طوت صفحة عريضة من التاريخ، وكان من حصادها سقوط عشرات الألوف من الأسرة الحاكمة وأعوانها من مختلف القبائل، فذلك حَدَث لا يتصور زواله من أعماق كل أموي، ومن شأنه أن يعمق في قلبه نوازع الحقد على كل ما هو عباسي، ومن هنا كان نظر كل من الفريقين إلى الآخر يتميز بالحذر ومراقبة الفرص للانقضاض والردّ أبدا.. وقديما قيل "عدو عدوك صديقك" لما وعن هذا الطريق يكون التقارب بين الشيعية والأموية مع الحذر الدقيق أمراً طبيعيا، وعلى هذا الأساس يكون تشيع الأصفهاني سطحيا لا يعدو حدود القشور، وهو أجدى عليه من حيث حاجته إلى الاتصال المصلحي بسلطات ذلك العهد مما يمكن أن يحقق له غير قليل من المكاسب،

الصفحة 427