كتاب جولة في كتابي (الأغاني) و (السيف اليماني)

وتغنيهم جارية من تلاميذ زرياب المغني الذي أفسد الأندلس، حتى إذا انفض المجلس أخذ كل من الحضور عطية تُثرى عشرين محروما! - ... 5/222.
ولا يلبث الأصفهاني أن يفاجئنا هنا بواحدة من مآسي ذلك العهد حيث يرينا بمكة امرأة تبكي وهي تدعو باسم زوجها الذي فارقها لطلب الرزق في جدة، فيدنو منها إسحق بن إبراهيم ويستو صفها ذلك الزوج ثم يمضي بنا معه إلى جدة حيث لقي ذلك الكادح، وهو يشدو بلحن أعجبه فاستوقفه وسأله لم لا يعود إلى زوجته، فاعتذر بالحاجة لتأمين معاشهما، وعلم اسحق أن هذه الحاجة لا تعدو ثلاثمئة درهم في العام فنقده مئونة عشر سنوات وأخذ منه العهد أن يعي إلى أهله فلا يفارقها طوال هذه المدة! ... 5/223.
ويلاحَظ أن القصة مقحمة في غير موضعها وكأنى بالأصفهاني إنما أوردها في هذا السياق الغريب ليبعث قراءه على التفكير بالبون الشاسع بين أوضاع أولئك الخلفاء، وبين هؤلاء البؤساء.
ثم لا يلبث المؤلف أن يعود بقارئه إلى الخط الذي انحرف عنه قليلا ليضعنا في خلو أسطورية مع الرشيد الذي أسرَّ له مسرور الكبير بخبر تقبض له وجهه، والتفت إلى مغنيه الموصلي يستحلفه بحياته أن يُطربه بما قدر.. وأدرك هذا حاجة الخليفة إلى المسليات فانطلق يغني:
نِعمَ عوناً على الهموم ثلاثُ
...
مترعات من بعدهن ثلاثُ
بعدها أربع تتمة عشر
...
لإبطاء لكنهن حِثاث
فإذا ناولتكهن جوارٍ
...
عطَراتُ بيض الوجه خِناث
تَمَّ فيها لك السرور، وما طيـ
...
ـب عيشاً إلا الخِناث الإِناث
فقال الرشيد: ويك اسقني..
فشرب ثلاثا ثم ثلاثا ثم أربعا، ويقول اسحق: فوالله ما استوفى أخرهن حتى سكر!.. ونهض ليدخل ثم قال: قم يا موصلي، فانصرفْ يا مسرور.. أقسمت بحياتي، بحقي إلا سبقته إلى منزله بمئة ألف.5/224 و225.

الصفحة 437