كتاب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه

فاليهود زعموا أن عزيرا هو ابن الله سبحانه والنصارى زعموا أن عيسى هو ابن الله. وهذا صادر من أهل الكتاب مضاهاة لقول الكافرين من قبلهم.
قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ} التوبة 30.
إنها مقالة شنيعة، وفرية كبيرة تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً ثم تطور هذا الزعم الباطل إلى أن جعلوا أنفسهم هم الأنبياء والأحباء لله دون غيرهم.
قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} المائدة 18.
قال ابن كثير: "ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري فحملوا هذا على تأويله وحرفوه، وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم ربي وربكم "1.
ثم تطور هذا الزعم الكاذب إلى أن ادعى النصارى أن عيسى ابن مريم عليهما السلام هو الله سبحانه قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} المائدة 17. وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة31. وزعمهم أن الله سبحانه فقير وادعاؤهم أنهم أغنياء.
قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} آل عمران 181.
__________
1 تفسير القرآن العظيم 2/529.ط دار الفكر.

الصفحة 74