كتاب جزء فيه شروط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النصارى، وفيه حديث واصل الدمشقي ومناظرته لهم رضي الله عنه

العَرَبِ حين تَقُولونَ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} (¬1)!.
فَسَكَتَ الشَّيْخُ؛ فقالَ لَهُ بَشِيرٌ:
مَا لَكَ لا تُجيبُني؟ فقالَ: كيفَ أُجِيبُكَ وَأنا أَسِيرٌ في يَدِكَ؛ فإنْ أَجَبْتُكَ بما تَهوى أسْخَطْتُ عَلَيَّ رَبِّي، وهَلَكْتُ في دِيني، وإنْ أَجَبْتُكَ بما لا تَهْوَى خِفْتُ عَلَى نَفْسي؟
فأَعْطني عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وما أَخَذَ النَّبِيُّونَ على الأُمَمِ أَنكَ لاَ تَغْدِر بي ولا تمْحل (¬2) بي ولا تَبْغِ بي باغِيةَ سُوءٍ، وأَنّكَ إذا سَمِعْتَ الحَقَّ تَنْقَادُ لَهُ.
فقال بشيرٌ: فَلَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وميثاقُهُ وما أَخَذَ الله عَزَّ وَجَلَّ على النَّبِيِّينَ وما أَخَذَ النَّبِيُّونَ على الأُمَمِ: أني لا أَغْدِرُ بكَ ولا أمحل بكَ ولا أَبْغي بك باغيةَ سُوءٍ وأنِّي إذا سَمِعْتُ الحقَّ انْقَدْتُ إليهِ.
قال الشَّيخُ: أمَّا ما وَصَفْتَ مِنْ صِفَةِ الله عَزَّ وَجَل؛ فَقَدْ أَحْسَنْتَ الصِّفَةَ. وأَمَّا ما لم يبْلُغ عِلْمُكَ ولم يستحكمِ عليه رَأْيُكَ أكثرُ، والله أَعْظَمُ وأَكْبَرُ ممَّا وَصَفْتَ؛ فلا يَصِفُ الواصفُون صِفَتَهُ.
وأَمَّا ما ذَكَرْتَ مِن هذينِ الرَّجُلَيْنِ؛ فَقَدْ أَسَأتَ الصِّفَةَ! أَلمْ يَكونا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ويَشْرَبَان ويُبَوِّلان ويَتَغَوَّطانِ وينامانِ ويَسْتَيْقِظَان ويَفْرَحَانِ ويَحْزَنَانِ؟
¬__________
(¬1) آل عمران، الآية (59).
(¬2) تمحل: من المحل، وهو المكر والكيد، كما في "القاموس" وغيره.

الصفحة 30