كتاب الغريب المصنف

وفاته
خرج أبو عبيد إلى مكة سنة تسع عشرة ومائتين، وحجَّ، ولم يزلْ بها إلي أن توفي سنة 224 هـ. في يوم الأربعاء 12 المحرم، كما في التونسية.
وقد ذُكر أنَّ أبا عبيدٍ قدم مكَة حاجاً، فلما قضي حجَّه وأراد الانصراف اكترى إلى العراق، ليخرج صبيحة الغد. قال أبو عبيد. فرأيتُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في رؤياي وهو جالسٌ، وعلى رأسه قومٌ يحجبونه، والنَّاس يدخلون ويسلِّمون عليه، ويصافحونه قال: فكلَّما دنوت لأدخلَ مع النَّاس مُنِعت، فقلتُ لهم: لمَ لا تُخلّون بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالوا لي: لا واللِّه، لا تدخل عليه ولا تُسلِّمُ عليه وأنت خارجٌ غداً إلى العراق، فقلتُ لهم: إني لا أخرج إذاً، فأخذوا عهدي، ثمَّ خلَّوا بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلتُ وسلَّمتُ عليه، وصافحني، وأصبحتُ ففسخت الكراء وسكنت مكة.
وقال أبو سعيد الضرير: كنتُ عند عبد الله بن طاهر، فورد عليه نعيُ أبي عبيد، فقال لي: يا أبا سعيدٍ، مات أبو عبيد، ثمَّ أنشأ يقول:
يا طالب العلمِ قد ماتَ ابن سلاَّم ... وكانَ فارسَ علمٍ غيرَ مِحْجامِ
ماتَ الذي كانَ فيكم ربعَ أربعةٍ ... لم يُؤتَ مثلُهم إستارَ أحكامِ1
حَبْرُ البريَّةِ عبدُ اللَّه أوَّلهم ... وعامرُ، ولَنِعْمَ الثَّاوِ يا عامي
هما اللذان أنافا فوقَ غيرهما ... والقاسمان ابن معنٍ وابن سلام
فازا بقدحٍ متينٍ لا كفاء له ... وخلَّفاكم صفوفاً فوق أقدام2
يريد: عبد الله بن عباس، وعامر الشعبي، والقاسم بن معن، وأبا عبيد.
وفارق أبو عبيد هذه الدنيا الفانية بعد حياةٍ مليئةٍ بالعلم والعبادة والتعليم، لينتقل إلى دار الآخرة، ليلقى جزاء عمله ونتيجة اجتهاده، في حياةٍ هنيئةٍ دائمةٍ، أفاضَ عليه ربُّنا وابلَ رحمته، وفيضَ مغفرته.
وكانت وفاته سنة 224 هـ وبلغ أربعاً وسبعين سنة.
__________
1 إستار كلمة فارسية تِطلق على الأربعة، وصحفها بعضهم إلى أستاذ.
2 انظر تاريخ بغداد 12/412، وطبقات النحويين ص 201.

الصفحة 258