كتاب صلاة التوبة والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي

التَّرْجِيح:
وَالرَّاجِح من هَذِه الْأَقْوَال هُوَ القَوْل الأول، لقُوَّة دَلِيله، وَلِأَن الْقَوْلَيْنِ الآخرين لَا يعضدهما دَلِيل من كتاب وَلَا سنة، فَحَدِيث أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ- صَرِيح فِي أَن هَذِه الصَّلَاة تُؤَدّى قبل التَّوْبَة، لَا بعْدهَا، حَيْثُ ذكرت فِيهِ الصَّلَاة ثمَّ عطف عَلَيْهَا الاسْتِغْفَار، الَّذِي هُوَ تَوْبَة1، أَو جُزْء من التَّوْبَة2 بِحرف "ثمَّ " الَّذِي يدل على التَّرْتِيب 3.
__________
1مدارج السالكين 1/334،335، وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي الرقاة 2/187 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر "وَالْمرَاد بالاستغفار التَّوْبَة بالندامة والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا، وأَن يتدارك الْحُقُوق، إِن كَانَت هُنَاكَ"
2 ذكر الشَّوْكَانِيّ فِي فتح الْقَدِير 1/381 أَنه يمْتَنع لُغَة إِطْلَاق التَّوْبَة على الاسْتِغْفَار.
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: " الاسْتِغْفَار هُوَ طلب الْمَغْفِرَة، وَهُوَ من جنس الدُّعَاء وَالسُّؤَال، وَهُوَ مقرون بِالتَّوْبَةِ فِي الْغَالِب، ومأمور بِهِ، لَكِن قد يَتُوب الْإِنْسَان وَلَا يَدْعُو، وَقد يَدْعُو وَلَا يَتُوب". ينظر كتاب " ذُو النورين" لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية ص 76 جمع وَتَعْلِيق مُحَمَّد مَال الله.
فَيمكن أَن يُقَال: إِن التَّوْبَة تطلق على الاسْتِغْفَار وَمَا يَصْحَبهُ من النَّدَم على فعل الْمعْصِيَة والعزم على عدم الرُّجُوع إِلَى فعلهَا، لما روى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 6/264: ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد – يَعْنِي الوَاسِطِيّ – عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة – رَضِي الله عَنْهَا – قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يَا عَائِشَة إِن كنت أَلممْت بذنب فاستغفري الله، فَإِن التَّوْبَة من الذَّنب النَّدَم وَالِاسْتِغْفَار". وَإِسْنَاده صَحِيح، وَرِجَاله رجال الصَّحِيحَيْنِ، عدا مُحَمَّد بن يزِيد، وَهُوَ ثِقَة ثَبت كَمَا فِي التَّقْرِيب. وَصَححهُ الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على الْإِحْسَان 2/378.
3 قَالَ الملا عَليّ قاري فِي مرقاة المفاتيح 2/187 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر: " ثمَّ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ لمُجَرّد الْعَطف التعقيبي. أ. هـ.
وَقَالَ ابْن مَالك فِي ألفيته:
وَالْفَاء للتَّرْتِيب باتصال وَثمّ للتَّرْتِيب بانفصال
تنظر الألفية مَعَ شرحها لِابْنِ النَّاظِم ص 205، وَشرح شذور الذَّهَب ص 576، وأوضح المسالك ص 318.

الصفحة 169