كتاب تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة

مات ثم الخلفاء الراشدون بعده حتى ماتوا ثم أهلوهم، وعمل به أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فروى ابن عمر أن " النبي - صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر1 ما يخرج منها من ثمر أو زرع فكان يعطى أزواجه مائة وسق2 ثمانون وسقا تمرا وعشرون وسقا شعيرا فلما قسم عمر خيبر خيَّر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن الأوسق فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق وكانت عائشة وحفصة ممن اختار الأرض". رواه البخاري3 ومسلم4.
ولم ينقل أن عائشة وحفصة أجرتا ما اقتطعتاه ولا أنه كان لهما غلمان يعملون الأرض فالظاهر أنهما كانا تزارعان5 عليها. فإن قيل يحتمل أن يكون حديث خيبر منسوخا 6 بالنهي الوارد في حديث رافع وجابر وأبي هريرة. قلنا لا يجوز لوجوه:
الأول: أن النسخ إنما يكون في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان هذا منسوخا لما عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مات وعمل به الخلفاء الراشدون بعده ولم يخالف أحد منهم.
الثاني: أنه لو كان منسوخا لما خفي النسخ عنهم هذه المدة الطويلة مع بحثهم وجدهم وقد روى البخاري7 ومسلم 8 عن نافع 9 أن ابن عمر كان
__________
1 في نسخة (ر) بشرط. والصواب ما في الأصل لموافقته لفظ الحديث.
2 قال ابن الأثير في النهاية 5/518: "الوسق بالفتح ستون صاعا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد".
3 البخاري مع فتح الباري 5/10.
4 مسلم بشرح النووي 10/209.
5 في نسخة (ر) يزرعان.
6 النسخ في اللغة: الرفع والإزالة ومنه نسخت الشمس الظل ونسخت الريح الأثر وقد يطلق لإرادة ما يشبه النقل كقولهم نسخت الكتاب: انظر المصباح المنير 602، 603. وأما في الشرع: فهو بمعنى الرفع والإزالة لا غير وحدّه رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه. روضة الناظر 1/189، 190.
7 البخاري مع الفتح 5/13.
8 ومسلم بشرح النووي 10/202.
9 في نسخة (ر) رافع بدل نافع وهذا خطأ.

الصفحة 358