كتاب البدهيات في القرآن الكريم
(قلت) وسواء كان الصيِّبُ المطر أو السحاب فإنَّ من المعلوم أَنهما من السماء فما الفائدة من قوله {مِنَ السَّمَاءِ} وهو معلوم من المدلول اللغوي لكلمة {صَيِّبٍ} وللعلماء في ذلك أقوال منها:
1) قال الزمخشري: " (فإن قلت) قوله {مِنَ السَّمَاءِ} ما الفائدة في ذكره والصيب لا يكون إلا من السماء، (قلت) الفائدة فيه أنه جاء بالسماء مُعَرَّفَة فنفى أن يتصوب من سماء أي من أفُقٍ واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء كما أنَّ كل طبقة من الطباق سماء في قوله: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} 1. والمعنى: إنه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء"2.
وقد ضَعَّفَه ابنُ عاشور في تفسيره واستبعده معللا ذلك بأنه لم يُعهد دخول لام الاستغراق إلا على اسمٍ كلي ذي أَفرادٍ دون اسم كلِّ ذي أجزاء فيُحتاج لتنزيل الأجزاء منزلةَ أَفراد الجنس ولا يُعرف له نظير في الاستعمال.3
2) وهو ما ذهب إليه ابن عاشور بعد استبعاده للقول السابق حيث قال: "فالذي يظهر لي إنْ جَعَلْنَا قولَه {مِنَ السَّمَاءِ} قيداً للصيِّب: أنَّ المرادَ من السماء أعلى الارتفاع، والمطر إذا كان من سَمْتٍ مقابل وكان عالياً كان أَدْوَم بخلاف الذي يكون من جوانب الجو ويكون قريباً من الأرض غير مرتفع"4.
3) وهو أيضا لابن عاشور حيث قال: "والظاهر أن قوله {مِنَ السَّمَاءِ} ليس بقيد للصيب وإنما هو وصف كاشف جيء به لزيادة استحضار صورة الصيب في هذا التمثيل إذ المقام مقام إطناب كقول امرئ القيس:
كجلمود صخر حطه السيل من عَلِ
__________
1 سورة فصلت: الآية 12.
2 الكشاف: الزمخشري، ج1 ص 41. وانظر مسائل الرازي وأجوبتها: ص4.
3 التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور ج1 ص304.
4 التحرير والتنوير: ابن عاشور ج1 ص304.
الصفحة 36
598