كتاب البدهيات في القرآن الكريم

*القسم الثاني: الجمع بين الشيء وآلته:
كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} 1.
وكلِ طائر إنما يطير بجناحيه فهما آلة طيرانه التي لا يطير بدونهما فما الفائدة إذاً من ذكر الجناحين؟
قال بعضهم: "إن ذكر الجناحين للتأكيد كقَولهم: "نعجة أنثى", وكما يقال: "كلمته بفمي, ومشيت إليه برجلي"2.
وقيل: فائدةُ ذلك نفي توهم المجاز فإنه يقال: "طار فلان شي أمر كذا إذا أسرع فيه، وطار الفرس إذا أسرع الجريَ".
قال أبو حيان: "ألا ترىَ إلى استعارة الطائر للعمل في قوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِه} 3. وقولهم: "طار لفلان كذا في القسمة: أي سهمه، وطائر السعد والنحس) , وفيه تنبيه على تصور هيئته على حالة الطيران.
واستحضار لمشاهدة هذا الفعل الغريب "فجاء ذكر الجناحين ليتمحض هذا الكلام في الطير"4.
ومن فوائد ذكر الجناحين زيادةُ التعميم والإحاطة كأنه قال: جميع الطيور الطائرة 5.
__________
1 سورة االأنعام: آية 38.
2 البحر المحيط: ج4 ص 119. وتفسير الرازي: ج12 ص 212. ومسائل الرازي: ص84. والروض الريان: ج1 ص46.
3 سورة الإسراء: الآية 13.
4 البحر المحيط: ج4 ص 119. وانظر تفسير الرازي: ج12 ص 212. ومسائل الرازي: ص 85. وفتح الرحمن بتفسير القرآن: العُليمي، ص 76. وتلخيص تبصرة المتذكر: الكواشي، ج1 ص 42.
5 مسائل الرازي وأجوبتها: ص 85. والكشاف: ج2 ص12– 13.

الصفحة 44