كتاب أصول علم العربية في المدينة

وقد ضاع كثير من تلك المناظرات، ولم يبلغنا من أمرها إلا القليل، وأكثر ما بلغنا مما كان يدور في مجالس الخلفاء والأمراء والوزراء في حواضر العراق، وقد جاءت لنا بعض المصادر بنتف يسيرة جدا من مناظرات نحوية وقعت في بعض مجالس العلم كان أحد علماء المدينة طرفا فيها، وهو مروان بن سعيد المهلبي، وكان الطرف الآخر سعيد بن مسعدة الأخفش.
وفيما يلي مجالس المهلبي مما ذكره أبو القاسم الزجاجي وغيره، وهي ثلاثة مجالس، نوردها كما رواها الرواة، تم نقفوها بشيء ٍمن التعليق:
1- فإن كانتا اثنتين:
قال أبو القاسم الزجاجي. "قال أبو يعلى زكريا بن يحي بن خلاد: حدثني أبو عثمان قال: سأل مروان الأخفش عن قول الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ كاَنَتَا اثنَْتَيْن} 1 أليس خبر كان يفيد معنى ليس في اسمها؟ قال نعم. قال: فأخبرني عن {كاَنَتَا اثنَْتَيْن} أليس قد أفاد بقوله (كانتا) معنى ما أراد فلم يحتج إلى الخبر؟ فقال: إنما أراد: فإن كان من ترك اثنتين، ثم أضمر (من) على معناها. قال: فبإضماره (من) على معناها أفاد معنى ما أراد"2.
وأراد مروان بن سعيد المهلبي بسؤاله أن الألف في (كانتا) تفيد التثنية فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنتين ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يقال: فإن كانتا ثلاثا، ولا أن يقال فإن كانتا خمساً، فأراد الأخفش أن الخبر أفاد العدد المجرد من الصفة، أي: قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين أو
__________
1 سورة النساء: الآية 176.
2 مجالس العلماء61.

الصفحة 367