كتاب معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه

إِن عطف الْوَالِدين على أَوْلَادهم عَطاء لَا يقدر بِثمن وَلَا ينْتَظر مِنْهُ الْعِوَض، إِنَّه فطْرَة فطر الله الْوَالِدين عَلَيْهَا، وَلذَلِك كَانَ برهما من أعظم الْوَاجِبَات وَفِي مُقَدّمَة الصلات الاجتماعية، كَمَا كَانَ عقوقهما من الْكَبَائِر المقاربة للشرك بِاللَّه، وَلِهَذَا ورد الْأَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من كتاب الله عز وَجل عقب الْأَمر بِعبَادة الله وَحده، وَالنَّهْي عَن الْإِشْرَاك بِهِ.
فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناًً..} الْآيَة 1
فَفِي الْآيَة الْكَرِيمَة يَأْمر الله تَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَينْهى عَن الشّرك بِهِ ثمَّ يتبعهُ الْأَمر بِالْإِحْسَانِ للْوَالِدين وبرهما لما لَهما من الْفضل على الابْن مُنْذُ أَن كَانَ نُطْفَة فِي رحم أمه حَتَّى صَار كَبِيرا يعْتَمد على نَفسه.
ويعرض لُقْمَان الْحَكِيم فِي وَصيته لِابْنِهِ العلاقة بَين الْوَالِدين وَالْأَوْلَاد فِي أسلوب رَقِيق، وَفِي صُورَة موحية بالْعَطْف والرقة، وَمَعَ هَذَا فَإِن رابطة العقيدة مُقَدّمَة على تِلْكَ العلاقة الْوَثِيقَة2.
وَلِهَذَا كَانَ شكر الْوَالِدين بعد شكر الله عز وَجل لِأَنَّهُ الْمُنعم الأول3.
وَوَصِيَّة الْإِنْسَان بِوَالِديهِ تتمثل فِي طاعتهما مِمَّا لَا يكون شركا ومعصية لله تَعَالَى4. وَبِمَعْنى آخر أَن طَاعَة الْوَالِدين لَا تكون فِي ركُوب كَبِيرَة، وَلَا فِي ترك فَرِيضَة على الْأَعْيَان، وَتلْزم طاعتهما فِي الْمُبَاحَات5.
مِمَّا سبق يُمكن القَوْل أَن علاقَة الْأَبْنَاء بالوالدين يجب أَن تكون علاقَة قَوِيَّة
__________
1 - سُورَة النِّسَاء: آيَة 36.
2 - سيد قطب: فِي ظلال الْقُرْآن 5/2788.
3 - الْمرجع السَّابِق.
4 - الْقُرْطُبِيّ: الْجَامِع لأحكام الْقُرْآن 14/63.
5 - الْمرجع السَّابِق 14/64.

الصفحة 444