كتاب معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه

مَبْنِيَّة على التَّقْدِير والاحترام ذَلِك أَن فَضلهمْ على أبنائهم لَا يدْرك مداه وَلَا يَسْتَطِيع أحد أَن يقدره، وَمن هُنَا كَانَ توصية الْأَبْنَاء بآبائهم تَتَكَرَّر فِي الْقُرْآن الْكَرِيم، وَالسّنة المطهرة لما فِي ذَلِك من حَاجَة لتذكيرهم بِوَاجِب الجيل الَّذِي نفق رحيقه كُله حَتَّى أدْركهُ الْجَفَاف، وَلِهَذَا يَجِيء الْأَمر بالإِحسان إِلَى الْوَالِدين فِي صُورَة قَضَاء من الله يحمل معنى الْأَمر الْمُؤَكّد بعد الْأَمر الْمُؤَكّد بِعبَادة الله، قَالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} 1.
وَفِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} مَا يُفِيد أَن أول مرتبَة من مَرَاتِب الرِّعَايَة وَالْأَدب أَلا يَنِدَّ من الْوَلَد مَا يدل على الضجر والضيق، وَمَا يمشي بالإِهانة وَسُوء الْأَدَب ... {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} وَهِي مرتبَة أَعلَى إيجابية أَن يكون كَلَامه لَهما بالإكرام والاحترام.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} وَهنا يشف التَّعْبِير ويلطف، ويبلغ شغَاف الْقلب وحنايا الوجدان فَهِيَ الرَّحْمَة ترق وتلطف حَتَّى وَكَأَنَّهَا الذل الَّذِي لَا يرفع عينا وَلَا يرفض أمرا وكأنما للذل جنَاح يخفضه إِيذَانًا بِالسَّلَامِ والاستسلام.
{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} فَهِيَ الذكرى الحانية ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الْولدَان، وهما الْيَوْم فِي مثلهَا من الضعْف وَالْحَاجة إِلَى الرِّعَايَة والحنان2.
__________
1 - سُورَة الْإِسْرَاء: الْآيَتَانِ (23 - 24) .
2 - سيد قطب: فِي ظلال الْقُرْآن 4/ 221 - 222.

الصفحة 445