كتاب معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه

وَمِمَّا لاشك فِيهِ أَن الْإِنْسَان لَا يَفِي وَالِديهِ حَقّهمَا عَلَيْهِ مهما أحسن إِلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا كَانَا يحسنان إِلَيْهِ حينما كَانَ صَغِيرا وهما يتمنيان لَهُ كل خير ويخشيان عَلَيْهِ من كل سوء ويسألان الله لَهُ السَّلامَة وَطول الْعُمر، ويهون عَلَيْهِمَا من أَجله كل بذل مهما عظم ويسهران على رَاحَته دون أَن يشْعر بِأَيّ تضجر من مطالبه، ويحزنان عَلَيْهِ إِذا آلمه أَي شَيْء، أما الْوَلَد فَإِذا قَامَ بِمَا يجب عَلَيْهِ من الْإِحْسَان لوَالِديهِ فَإِن مشاعره النفسية نَحْوهمَا لَا تصل إِلَى مثل مشاعر أَنفسهمَا الَّتِي كَانَت نَحوه وَلَا تصل إِلَى مثل مشاعره هُوَ نَحْو أَوْلَاده إِلَّا فِي حالات نادرة جدا1.
ويتحقق حق الْوَالِدين على الْأَوْلَاد بطاعتهما ماداما يأمران بِالْخَيرِ، فَإِن أمرا بِمَعْصِيَة الله فَلَا تجوز طاعتهما، إِذْ لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق وَلَكِن لَا يسْقط حَقّهمَا فِي الْمُعَامَلَة الطّيبَة والصحبة الْكَرِيمَة2.
فَعَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهَا قَالَت: "قدمت أُمِّي وَهِي مُشركَة - فِي عهد قُرَيْش ومدتهم إِذْ عَاهَدُوا النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعَ أَبِيهَا، فاستفتيت النَّبِي فَقلت: إِن أُمِّي قدمت وَهِي راغبة، قَالَ: "نعم، صلي أمك"3.
وَفِي حَدِيث آخر: أَتَتْنِي أُمِّي راغبة فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، آصلها؟ قَالَ: نعم… 4الحَدِيث.
من الْحَدِيثين السَّابِقين يتَبَيَّن أَن حق الْأَبَوَيْنِ قَائِم وَلَو كَانَا الْكَافرين، وعَلى الابْن يحسن صحبتهما دون أَن يطيعهما فِي مَعْصِيّة الله عز وَجل، فطاعة الله لَا تقدم عَلَيْهَا طَاعَة لأحد مهما كَانَ ذَا حق5.
__________
1 - عبد الرَّحْمَن الميداني: الْأَخْلَاق الإسلامية 2/22.
2 - سيد قطب: فِي ظلال الْقُرْآن 5/2788.
3 - صَحِيح البُخَارِيّ على الْفَتْح 10/413 كتاب الْأَدَب (78) بَاب صلَة الْمَرْأَة أمهَا وَلها زوج (8) رقم الحَدِيث 5979.
4 - صَحِيح البُخَارِيّ على الْفَتْح 10/413 كتاب الْأَدَب (78) بَاب صلَة الْوَالِد الْمُشرك (7) رقم الحَدِيث 5978.
5 - عبد الرَّحْمَن الميداني: الْأَخْلَاق الإسلامية 2/29.

الصفحة 446