كتاب معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه

شَيْئا لغير الله، فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحاسبه على النِّيَّة بعد الْعَمَل وعَلى الْإِخْلَاص فِيهِ.
فَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: "إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل إمرىء مَا نوى ... " 1.
هَذَا وَالله لَا يقبل أَن يكون شَيْء من الْعَمَل لغير وَجهه.
فَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا غزا يلْتَمس الْأجر وَالذكر مَاله، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا شَيْء لَهُ". فَأَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات يَقُول لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لاشيء لَهُ. ثمَّ قَالَ: إِن الله لَا يقبل من العَبْد إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصا وابتغي بِهِ وَجهه" 2.
وَكَذَلِكَ يراقبه وَهُوَ يفكر ويحس ... فَالله يعلم السِّرّ وَمَا أخْفى من السِّرّ الهاجسة فِي بَاطِن النَّفس لم يطلع عَلَيْهَا أحد لِأَنَّهَا مطمورة فِي الأعماق يراقبه فَلَا يحس بإحساس غير نظيف، يراقبه فينظف مشاعره أَولا بِأول لَا يحْسد وَلَا يحقد، وَلَا يكره للنَّاس الْخَيْر، وَلَا يتَمَنَّى أَن يحرمهما مِنْهُ ويستحوذ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يشتهى الشَّهَوَات الْبَاطِلَة وَالْمَتَاع الدنس، وَحين تُوجد فِي الْقلب هَذِه الحساسية المرهفة تجاه الله، لتستقيم النَّفس ويستقيم الْمُجْتَمع وتستقيم جَمِيع الْأُمُور، ويعيش الْمُجْتَمع نظيفاً من الجريمة، نظيفاً من الدنس، نظيفاً من الأحقاد لِأَنَّهُ لَا يتعامل فِي الْحَقِيقَة بعضه مَعَ بعض وَإِنَّمَا يتعامل أَولا مَعَ الله3. وَبِنَاء على مَا سبق ذكره يَنْبَغِي على الْآبَاء والأمهات وَكَذَلِكَ العاملين فِي
__________
1 - البُخَارِيّ: صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح 1/9 كتاب بَدْء الْوَحْي، بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْوَحْي (1) الحَدِيث رقم (1) .
2 - سنَن النَّسَائِيّ 6/25 كتاب الْجِهَاد، بَاب من غزا يلْتَمس الْأجر وَالذكر، رقم الحَدِيث3140.
3 - مُحَمَّد قطب: مَنْهَج التربية الإسلامية ا/68 - 69.

الصفحة 449