كتاب الإلحاد والظلم في المسجد الحرام بين الإرادة والتنفيذ

وهم بذلك قد استشعروا حرمة المكان من حرمة الجوار.
وحتى عندما أشرك من أشرك من أهل مكة لم يسقطوا من حسابهم تلك المهابة لبيت الله الحرام، وما وضعه بعضهم من أصنام حول الكعبة، إنما هو وسيلة - بزعمهم - تقربهم إلى رب البيت، كما أشار قوله تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر/3] .
المبحث الرابع: حاضروا المسجد الحرام
قال الله تعالى: {.. ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي} [البقرة/196] .
(حاضري) مادتها (حَضَر) ، و (الحَضَر) بفتحتين خلاف البدو، وهم الذين يسكنون القُرى، والمدن، والأرياف، لا يبرحونها إلاَّ ليعودوا إليها، والبدو لايستقرون في مكان إلاّ بقدر ما يجدون الماء والكلأ ثم يرحلون إلى أماكن أخرى طلباً لهما، فالتنقل من سمات حياتهم.
وفلانٌ (حاضر) بموضع كذا، أي: مقيم به1.
و (حاضروا المسجد الحرام) هم الناس من الحَضَر الذين تقع مساكنهم داخل حدود الحرم إلى المسجد الحرام، "ممن هو حوله ممن بينه، وبينه من المسافة مالا تقصر إليه الصلوات"2.
وقد جاء ذكر حاضري المسجد الحرام في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
__________
1 انظر مختار الصحاح (بتصرف) .
2 انظر تفسير الطبري (4/11) .

الصفحة 155