كتاب من ذخائر ابن مالك في اللغة مسألة من كلام الإمام ابن مالك في الاشتقاق

تمهيد
الْمطلب الأول فِي بَيَان فَائِدَة الِاشْتِقَاق وَقُوَّة الْحَاجة إِلَيْهِ
إنّ المتأمل فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَمَا يحصل فِي بعض كلماتها من تفريعات، وَمَا يتولّد مِنْهَا من أَلْفَاظ مُخْتَلفَة المبنى مُتَقَارِبَة الْمَعْنى ليدرك بوضوح قيمَة الِاشْتِقَاق، الَّذِي يُعَدُّ من أبرز الخصائص الَّتِي مَهَّدت للغة الضَّاد سُبُل التَّوَسُّع، ومكنتها من الْقُدْرَة على مواكبة التطور الحضاري، والتفاعل مَعَ وَاقع البيئة والمجتمع، فَهِيَ بواسطته تتجدد مَعَ كل طور من أطوار الْحَيَاة، مُزَوِّدَةً الْمُتَكَلّم بهَا بِكُل متطلبات عصره من الْأَلْفَاظ، والتراكيب الَّتِي تمكنه من التَّعْبِير عَن كل مَا يطْرَأ فِي حَيَاته السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والاقتصادية، مَعَ الْحفاظ على الْأُصُول الأولى لتِلْك الْأَلْفَاظ وبسبب الِاشْتِقَاق ظلّ آخر هَذِه اللُّغَة يتَّصل بأولها فِي نَسِيج متقن، من غير أَن تذْهب معالمها، أَو يَنْبَهم مَا خَلَّفَه السّلف من تُراث على الأجيال بعدهمْ، فالاشتقاق يُسَهِّل إِيجَاد صِيغ جَدِيدَة من الجذور الْقَدِيمَة، بِحَسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْإِنْسَان، فَعَن طَرِيقه يَسْتَطِيع الْعَرَبِيّ استبدال المصطلحات الْأَجْنَبِيَّة بِكَلِمَات عَرَبِيَّة فصيحة هِيَ أحسن تعبيراً وأدق دلَالَة على مفهومها، وَذَلِكَ باستمدادها من الْأُصُول الْمُنَاسبَة المتمتعة بسمات الرسوخ والحيوية الدائمة1، وَقد اشتدت الْحَاجة إِلَى الِاشْتِقَاق فِي عصرنا الْحَاضِرَة عصر التقنيات والمخترعات الَّتِي نحتاج إِلَى تعريبها، وسبيلنا إِلَى ذَلِك هُوَ الِاشْتِقَاق.
وَقد كَانَ لمجمعي اللُّغَة الْعَرَبيَّة فِي الْقَاهِرَة ودمشق دور بارز فِي اشتقاق الْأَسْمَاء الْمُنَاسبَة لكثير من تِلْكَ المخترعات.
__________
1 تنظر الفصحى لُغَة الْقُرْآن ص12، ومقدمة مُحَقّق الْعلم الخفاق ص7.

الصفحة 307