كتاب المنصوب على التقريب

: {هُدَىً لِلْمُتَّقِيْنَ} فإنه رفع من وجهين ونصب من وجهين"1 فذكر أوجه الرفع، وقال عن أوجه النصب: "فأما النصب في أحد الوجهين فأن يجعل الكتاب خبراً لذلك فتنصب على القطع لأن هدى نكرة اتصلت بمعرفة قد تمّ خبرها فنصبتها؛ لأن النكرة لا تكون دليلاً على المعرفة، وإن شئت نصبت هدىً على القطع من الهاء التي في فيه كأنك قلت لا شكّ فيه هادياً"2.
ومراد الفراء بقوله: "فتنصب على القطع أي على الحال فالقطع عنده الحال وهو من مصطلحات الفراء.
وقد ألحَّ الفراء على مسألة النصب على الحال في آيات كثيرة منها قوله تعالى3: {طس تِلْكَ آياتُ القُرْآنِ وكتابٍ مُّبِيْن هُدًى وَّبُشْرَىً للمُؤْمِنِيْنَ} 4 وقوله تعالى5: {ألم تِلْكَ آياتُ الكِتَابِ الحَكِيْمِ هُدَىً وَّرَحْمَة للْمُحْسِنِيْنَ} 6.
وعلى هذا فهل الفراء أعرب تلك الآيات حالاً لأنه يرى أنها لا يصح فيها النصب على التقريب لما بين (ذلك) المشتملة على اللام التي يشار بها للبعيد، والنصب على التقريب من التنافي في المعنى فبين اللام والتقريب تنافٍ إذ اللام تبعيد لا تقريب هذا هو الظاهر ويؤيده قوله: "ولو كان شيئاً قائماً يرى لم يجز مكان ذلك هذا، ولا مكان هذا ذلك" وإن كانت عبارته السالفة "لأن هذا وذلك يصلحان في كل كلام ذكرته ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه… لأنه قد قَرُبَ من جوابه فصار كالحاضر الذي تشير إليه" توحي بأنه يرى أن هذا وذلك يتقارضان فتحلُّ إحداهما محلّ الأخرى دون تفريق بين ما جعل للبعيد وما جعل
__________
1 المرجع السابق: 1/ 11.
2 المرجع السابق: 1/ 12.
3 المرجع السابق: 2/ 286.
4 النمل: 1 و2.
5 معاني القرآن: 2/326.
6 لقمان: 1و2و3.

الصفحة 514