كتاب إفادة المبتدي المستفيد فى حكم إتيان المأموم بالتسميع

وأنا أقول: قد جاء في الصحيحين وغيرهما عِدَّةُ أحاديثَ اكتُفي فيها بـ (سمع الله لمن حمده) عن (ربنا لك الحمد).
وقد استدل القاضي عبدُ الوهابِ المالكىُّ (¬1) بالحديث السابق -"إذا قال الإِمام فقولوا"- على أن الإِمام يقتصر على التسميع، والمأموم على التحميد.
قال شيخنا الحافظ شهاب الدين ابن حَجَر في شرح حديث: "إنما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ به" من شرحه للبخاري: "وليس في السياق ما يقتضي المنعَ من ذلك؛ لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي تركَ فِعْلِه (¬2)، نَعَمْ مقتضاه أن المأموم يقول: (ربنا لك الحمد) عقب قول الإِمام: (سمع الله لمن حمده)، وأما منع الإِمام من التحميد فليس بشيء؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما" (¬3).
ثم بسطه في شرح الحديث الآخر: "إذا قال الإِمام فقولوا"، فقال: "استُدِلَّ به على أن الإِمام لا يقول: (ربنا لك الحمد)، وعلى أن المأموم لا يقول: (سمع الله لمن حمده)؛ لكون ذلك لم يُذكر في هذه الرواية. كذا حكاه الطحاوي، وهو قول مالك وأبي حنيفة".
قال: "وفيه نظر؛ لأنَّه ليس فيه ما يدل على النَّفي، بل فيه أن قول
¬__________
(¬1) انظر: كتاب "التلقين" له (ص 35).
(¬2) والحديث إنما هو مسوق لبيان ما يفعله المأموم لا الإِمام، فلم يَدُلَّ على ترك التحميد في حق الإِمام.
(¬3) "فتح الباري" (2/ 179، 180).

الصفحة 31