كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 2)
صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا تَأْكُلُونَ مِنْهُ كُلُّكُمْ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [مِنْ] [ (17) ] بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ فِي رِحَالِ الْقَوْمِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَاءُ فِي الْقَوْمِ وَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ [ (18) ] ، لَا يَتَخَلَّفُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي هَذَا. فَقَالُوا لَهُ [ (19) ] : يَا بَحِيرَى [ (20) ] ، مَا تَخَلَّفَ عَنْكَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إِلَّا غُلَامٌ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، تَخَلَّفَ فِي رِحَالِهِمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرَ هَذَا الطَّعَامَ مَعَكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ الْقَوْمِ:
وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، إِنْ هَذَا لَلُؤْمٌ بِنَا أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْنِنَا. قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ مَعَ الْقَوْمِ.
فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَاءُ جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ فِي صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ وَتَفَرَّقُوا،
قَامَ بَحِيرَاءُ فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ، أَسْأَلُكُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا. وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: لَا تَسَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى شَيْئًا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ. فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ: فبالله إلا ما أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. فَقَالَ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لكَ. فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حاله في نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَاءَ مِنْ صِفَتِهِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ، مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طالب، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: ابْنِي. فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا. قَالَ. فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي. قال: فما
__________
[ (17) ] الزيادة من (هـ) .
[ (18) ] في (م) و (ص) : «يا معاشر» .
[ (19) ] في (م) و (ص) : «قالوا له» .
[ (20) ] في (م) رسمت: «بحيرا» .
الصفحة 28