كتاب المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح (اسم الجزء: 2)

وَسَلَّمَ كَيْفَ يَقُولُونَ فِي الإِهْلالِ بِهِمَا حِينَ قَرَنَ مَنْ قَرَنَ مِنْهُمْ, فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُْم: قُولُوا لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، فَكَانِ إِهْلالُهُ لَهُمْ بِالإِبَاحَةِ أَمْرًا لَهُمْ، فقَالَ: أَهَلَّ لَنَا, وَإِلا فَمَا مَعْنَى: لنَا, فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (¬1).
وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ حَمَّادٍ فِيهِ: وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا, يَعْنِي الَّذِين قَرَنُوا, وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوَن سَمِعَ قَوْمًا يَصْرُخُونَ بِحَجٍّ وَقَوْمًا بِعُمْرَةٍ فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمْيعًا لِذَلِكَ، وَإِلاَّ فَسَمِعَ الْقَارِنِينَ.
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا:
حَدَّثْنَاهُ عَبدُالوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ مُنِيِرٍ، نَا أَبُوسَعِيدِ بْنِ الأَعْرَابِيِّ، نَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ صَرَخَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَرُكْبَتُهُ تَصُكُّ رُكْبَةَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2).
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَه: سَمِعْتُهُمْ وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ سَمَاعَهُ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ لِمَنْ قَرَنَ، لاَ أَنَّه سَمِعَ النبي عَلَيْهِ السَّلاَمُ!.
إِذْ مَنْ رَوَى عَنْ أَنَسٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ لَيْسَ بِذَاكَ, وَلَمْ يُخَرِّجُهُ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ، فَإفْرَادُهَ أَبا طَلْحَةَ بِالسَّمَاعِ يُصَحِّحُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِمَّا يُثْبِتُ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ وَيُسْقِطُ الشَّاذَّ الْمَعْلُولَ مِنْ وَجْهِ التَّأْوِيلِ، وَيُصَدِّقُ قَوْلَ
¬_________
(¬1) نقله ابْنُ بَطَّال عَنْ الْمُهَلَّبِ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَمَرَ مَنْ أَهَلَّ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُ هُوَ كَانَ مُفْرِدًا فَمَعْنَى " أَهَلَّ لَنَا " أَيْ أَبَاحَ لَنَا الْإِهْلاَل فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا وَتَعْلِيمًا لَهُمْ كَيْفَ يُهِلُّونَ وَإِلاَ فَمَا مَعْنَى " لَنَا " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟ اِنْتَهَى.
وقد سبق للحافظ أنه لا يعرف هذه الرواية، والله أعلم.
(¬2) رواه ابن الأعرابي في معجمه (1980).

الصفحة 132