كتاب أخبار مكة للفاكهي (اسم الجزء: 2)

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنَ النَّبِيذِ وَمِنْ زَمْزَمَ وَقَالَ: " §لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَنَزَعْتُ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: رُبَّمَا فَعَلْتُ، قَالَ: قُلْتُ: مَا رُبَّمَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: رُبَّمَا فَعَلْتُ
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ، " §لَا يُخْطِينِي إِذَا أَفَضْتُ أَنْ أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، قَالَ: وَقَدْ كُنْتُ فِيمَا مَضَى أَنْزِعُ مَعَ النَّازِعِ الدَّلْوَ الَّذِي أَشْرَبُ مِنْهَا اتِّبَاعَ السُّنَّةِ، فَأَمَّا مُنْذُ كَبِرْتُ وَلَا أَنْزِعُ، يُنْزَعُ لِي فَأَشْرَبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِي ظَمَأٌ اتِّبَاعَ صَنِيعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا مِنَ النَّبِيذِ، فَمَرَّةً أَشْرَبُ مِنْهُ، وَمَرَّةً لَا أَشْرَبُ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ سِقَايَتُهُمْ هَذِهِ الَّذِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا، قَالَ: كَانَ لِزَمْزَمَ حَوْضَانِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَحَوْضٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ -[57]- الرُّكْنِ، يُشْرَبُ مِنْهُ الْمَاءُ، وَحَوْضٌ مِنْ وَرَائِهَا لِلْوَضُوءِ، لَهُ سَرَبٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ نَحْوِ بَابِ وَضُوئِهِمُ الْآنَ، قَالَ: فَيَصُبُّ الْمَاءَ النَّازِعُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْبِئْرِ فِي هَذَا مِنْ قُرْبِهَا مِنَ الْبِئْرِ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شِبَاكٌ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَكُنْ وَضُوءُ آلِ عَبَّاسٍ هَذَا حِينَئِذٍ، قَالَ: فَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يَسْتَقِيَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَكَ، فَقَالَ: صَدَقَ، فَسُقِيَ حِينَئِذٍ بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَجَعَ فَسُقِيَ بَعْدُ بِمِنًى، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَيْخًا كَبِيرًا يَفْتِلُ الْغَرْبَ، قَالَ: وَكَانَتْ عَلَيْهَا غُرُوبٌ وَدِلَاءٌ، قَالَ: وَرَأَيْتُ رِجَالًا بَعْدُ مِنْهُمْ مَا مَعَهُمْ مَوْلًى فِي الْأَرْضِ، يَلُفُّونَ أَرْدِيَتَهُمْ فِي الْقُمُصِ فَيَنْزِعُونَ، حَتَّى إِنَّ أَسَافِلَ قُمُصِهِمْ لَمُبْتَلَّةٌ يَنْزِعُونَ قَبْلَ الْحَجِّ وَأَيَّامِ مِنًى وَبَعْدَهُ "
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّ رَجُلًا نَادَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: السُّنَّةَ تَبْتَغُونَ بِهَذَا النَّبِيذِ أَمْ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّبَنِ وَالْعَسَلِ؟، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبَّاسًا فَقَالَ: " اسْقُونَا "، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا النَّبِيذَ شَرَابٌ قَدْ مُغِثَ وَمُرِثَ، أَوَ لَا نَسْقِيكَ لَبَنًا أَوْ عَسَلًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §اسْقُونَا مِمَّا تَسْقُونَ مِنْهُ النَّاسَ "، قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِعِسَاسٍ فِيهَا النَّبِيذُ، فَلَمَّا شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يُرْوَى فَرَفَعَ، فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ، هَكَذَا اصْنَعُوا، قَالَ ابْنُ -[58]- عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فَرِضَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَسِيلَ شِعَابُهَا عَلَيْنَا لَبَنًا وَعَسَلًا، قَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ يَفْخَرُ بِزَمْزَمَ وَالْمَشَاعِرِ بِمَكَّةَ:
[البحر الطويل]

وَإِنَّ لَنَا الْبَطْحَاءَ وَالْمَرْوَ وَالصَّفَا ... وَإِنَّا وُلَاةُ الْبَيْتِ ذِي الْحُجْبِ وَالْحِجْرِ
وَإِنَّا سُقَاةُ الْوَافِدِينَ لِحَجِّهِمْ ... إِلَى اللهِ يَرْجُونَ الثَّوَابَ مِنَ الْأَجْرِ
لَنَا مَنْهَلٌ نَرْوِي بِهِ كُلَّ وَارِدٍ ... مُقِيمٍ لِحُجَّاجِ الْعَتِيقِ وَلِلْحَضَرِ
مِنَ الْعَسَلِ الصَّافِي يُشَابُ بِزَمْزَمٍ ... وَمُعْتَصِرٍ يَأْتِيكَ مِنْ طَيْبِ الْعَصْرِ

1144 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: ثنا هِشَامٌ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ الْحَدِيثِ

الصفحة 55