كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)

فَقَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُنَا، فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ النَّجَاشِيُّ، وَأَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى مَا قَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَذَا.
ثُمَّ قَالَ: أَيُؤْذِيكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
فَنَادَى مُنَادٍ: مَنْ آذَى أَحَدًا مِنْهُمْ فَأَغْرِمُوهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.
ثُمَّ قَالَ: أَيَكْفِيكُمْ؟ قُلْنَا: لَا فَأَضْعَفَهَا.
قَالَ: فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَظَهَرَ بِهَا قُلْنَا لَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَهَرَ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَتَلَ الَّذِينَ كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَرَدْنَا الرَّحِيلَ إِلَيْهِ، فَرَدَّنَا.
قَالَ: نَعَمْ.
فَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ، وَهَذَا صَاحِبِي مَعَكُمْ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي.
قَالَ جَعْفَرٌ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَنَقَنِي، ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ! وَوَافَقَ ذَلِكَ فَتْحُ خَيْبَرَ.
ثُمَّ جَلَسَ.
فَقَالَ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ: هَذَا جَعْفَرٌ فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا.
فَقَالَ: نَعَمْ، فَعَلَ بِنَا كَذَا وَكَذَا، وَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ لِي: قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: آمِينَ.
ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: فَقَلْتُ لِلرَّسُولِ: انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا رَأَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الصفحة 16