كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)

وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا، أمرنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام.
قَالَ: فعدد (1) عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ.
فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا.
فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فعذبونا ليفتنونا عَن ديننَا ويردونا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ.
فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بِلَادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سواك، ورغبنا فِي جوارك ورجونا أَلا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ.
قَالَتْ: فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَل مَعَك شئ مِمَّا جَاءَ بِهِ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ " كهيعص " فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، انْطَلِقُوا رَاشِدِينَ، لَا وَاللَّهِ لَا أَرُدُّهُمْ عَلَيْكُمْ وَلَا أُنْعِمُكُمْ عَيْنًا.
فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْده، وَكَانَ أبقى الرجلَيْن فِينَا عبد الله بن رَبِيعَةَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، وَلَأُخْبِرُنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعمُونَ أَن إلهه الذى يعبد عِيسَى بن مَرْيَمَ، عَبْدٌ!
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا خَالَفُونَا فَإِن لَهُم رحما وَلَهُم حَقًا.
__________
(1) الاصل: فعدوا.
محرفة، وَمَا أثْبته عَن ابْن هِشَام.
(2) هُوَ زِيَاد البكائى رَاوِي السِّيرَة عَن ابْن إِسْحَاق، وَرِوَايَته مُقَابلَة لرِوَايَة يُونُس بن بكير.
(*)

الصفحة 21