كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)

بِنْتُ الْخَطَّابِ الصَّحِيفَةَ فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا، وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إِلَى الْبَابِ قِرَاءَةَ خباب عَلَيْهَا.
فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعت؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعت شيثا.
قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ.
وَبَطَشَ بِخَتْنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ لِتَكُفَّهُ عَنْ زَوْجِهَا فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا.
فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتْنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ.
فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنَ الدَّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ وَارْعَوَى، وَقَالَ لاخته: أعطيني هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِى كُنْتُم تقرأون آنِفًا، أَنْظُرُ مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ.
وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا.
فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إِنَّا نَخْشَاكَ عَلَيْهَا.
قَالَ: لَا تخافى.
وَحلف بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إِذَا قَرَأَهَا إِلَيْهَا.
فَلَمَّا قَالَ ذَلِك طمعت فِي إِسْلَامه، فَقَالَت: يَا أَخِي إِنَّكَ نَجَسٌ عَلَى شِرْكِكَ، وَإِنَّهُ لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ.
فَقَامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ، فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَةَ، وَفِيهَا " طَهَ ".
فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ!.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا عُمَرُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ أَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
فَاللَّهَ اللَّهَ يَا عُمَرُ.
فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ فَدُلَّنِي يَا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ.
فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا مَعَهُ نَفَرٌ من أَصْحَابه.

الصفحة 35