كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَيْهِ خُلْقَانُ ثِيَابٍ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ.
قَالَ جَعْفَرُ: فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَلَمَّا أَنْ رَأَى مَا فِي وُجُوهِنَا قَالَ: إِنِّي أُبَشِّرُكُمْ بِمَا يَسُرُّكُمْ، إِنَّهُ جَاءَنِي مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عَيْنٌ لِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ وَأُسِرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ كَثِيرُ الاراك كأنى أنظر إِلَيْهِ، كنت أرعى لِسَيِّدِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ إِبِلَهُ.
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: مَا بَالُكَ جَالِسًا عَلَى التُّرَابِ لَيْسَ تَحْتك بِسَاط وَعَلَيْك هَذِه الاخلاط؟ قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِيسَى: إِنَّ حَقًّا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يحدثوا الله تواضعا عِنْد مَا يُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ.
فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لِي نَصْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثْتُ لَهُ هَذَا التَّوَاضُعَ (1) .
فَصْلٌ فِي وُصُولِ خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ من مَكَّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ فَقَالُوا لَهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الحكم ابْن هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنبيه ومنبه، وَأَبُو البخْترِي ابْن هِشَامٍ.
فَلَمَّا جَعَلَ يُعَدِّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ قَالَ صَفْوَان بن أُميَّة: وَالله لن (2) يَعْقِلُ هَذَا، فَسَلُوهُ عَنِّي.
فَقَالُوا: مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ؟ قَالَ: هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَتَحَقَّقُوهُ قَطَّعَتِ النِّسَاء شعورهن وعقرت خُيُول كَثِيرَة ورواحل.
__________
(1) يَبْدُو على هَذَا الْخَبَر الافتعال والصنعة.
وفى سَنَده من هُوَ مَجْهُول الْحَال.
وَأَبُو الْقَاسِم الحرفى كَانَ مُضْطَرب السماع.
(2) ابْن هِشَام: وَالله إِن يعقل.
(*)
الصفحة 477