كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)

قومه وَظَاهر عَلَيْهِم قُريْشًا فَقَالَ: يَا بنة عُتَيّة، هَلْ نَصَرْتُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَفَارَقْتُ مَنْ فَارَقَهَا (1) وَظَاهَرَ عَلَيْهَا.
قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عتبَة.
قَالَ ابْن إِسْحَق: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ: يَعِدُنِي مُحَمَّدٌ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا يَزْعُمُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَمَاذَا وَضَعَ فِي يَدِي بَعْدَ ذَلِكَ؟ ! ثُمَّ يَنْفُخُ فِي يَدَيْهِ فَيَقُولُ: تَبًّا لَكُمَا، لَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ".
قَالَ ابْن اسحق: فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَصَنَعُوا فِيهِ الَّذِي صَنَعُوا قَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَلَا أَبْلِغَا عَنَّا عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا * لُؤَيًّا وَخُصَّا مِنْ لُؤَيٍّ بَنِي كَعْبِ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا * نَبِيًّا كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتْبِ وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبَّةً * وَلَا خَيْرَ مِمَّنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِالْحُبِّ
وَأَنَّ الَّذِي أَلْصَقْتُمْ مِنْ كِتَابِكُمْ * لَكُمْ كَائِنٌ نَحْسًا كَرَاغِيَةِ السَّقْبِ (2) .
أَفِيقُوا أَفِيقُوا قَبْلَ أَنْ يُحْفَرَ الثَّرَى * وَيُصْبِحَ مَنْ لَمْ يَجْنِ ذَنْبًا كَذِي الذَّنْبِ وَلَا تَتْبَعُوا أَمْرَ الْوُشَاةِ وَتَقْطَعُوا * أَوَاصِرَنَا بَعْدَ الْمَوَدَّةِ وَالْقُرْبِ وَتَسْتَجْلِبُوا حَرْبًا عَوَانًا (3) وَرُبَّمَا * أَمَرَّ عَلَى مَنْ ذَاقَهُ حَلَبُ الْحَرْبِ فَلَسْنَا وَرَبِّ الْبَيْتِ نُسْلِمُ أَحَمَدًا * لِعَزَّاءَ مِنْ عَضِّ الزَّمَانِ وَلَا كَرْبِ
__________
(1) ابْن هِشَام: فارقهما.
(2) راغية السقب: أَرَادَ نَاقَة صَالح.
والسقب: ولد النَّاقة: والراغية من الرُّغَاء، وَهُوَ صَوت الابل.
(3) عوانا: مستمرة.
(*) (4 - السِّيرَة - 2)

الصفحة 49