كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ خُرُوجِهَا وَرَدِّهِمْ لَهَا وَوَضْعِهَا مَا فِي بَطْنِهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدَ بن حَارِثَة وَأَعْطَاهُ خَاتمه لتجئ مَعَهُ فَتَلَطَّفَ زَيْدٌ فَأَعْطَاهُ رَاعِيًا مِنْ مَكَّةَ فَأَعْطَى الْخَاتَمَ لِزَيْنَبَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ عَرَفَتْهُ فَقَالَتْ: مَنْ دَفَعَ إِلَيْكَ هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ فِي ظَاهِرِ مَكَّةَ.
فَخَرَجَتْ زَيْنَبُ لَيْلًا فَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ حَتَّى قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ.
قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِيَّ ".
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، فَأَتَى عُرْوَة فَقَالَ: مَا حَدِيث بَلغنِي أَنَّك تحدثته؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَأَنِّي أَنْتَقِصُ فَاطِمَةَ حَقًا هُوَ لَهَا، وَأما بعد ذَلِك أَن لَا أحدث بِهِ أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ: أَتَانِي الَّذِي لَا يَقْدُرُ النَّاسُ قَدْرَهُ * لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمَّدٌ * عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشِمِ (1) وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ * وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمِ قَرَنَّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ * بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصَّلَاصِلِ مُحْكَمِ (2) فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكُّ مِنَّا كَتَائِبٌ * سَرَاةُ خَمِيسٍ مَنْ لُهَامٍ مُسَوَّمِ (3) نَرُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرِ حَتَّى نَعُلَّهَا (4) * بِخَاطِمَةٍ فَوق الانوف بميسم
__________
(1) المأقط: معترك الْحَرْب، وعطر منشم: كِنَايَة عَن شدَّة الْحَرْب.
ومنشم: كَانَت امْرَأَة تبيع الْعطر فيشترى مِنْهَا للموتى، حَتَّى تشاءموا بهَا.
(2) ذُو حلق: أَرَادَ بِهِ الغل.
والصلاصل جمع صلصلة، وهى صلصلة الْحَدِيد.
(3) اللهام: الْكثير.
والمسوم: الْمعلم.
(4) نروع: نفزع.
ونعلها: نذيقها الْحَرْب مرّة بعد مرّة.
(*)
الصفحة 518