كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)

وَفِيه عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ حِينَ قَدِمَ مَنْ كَانَ تَأَخَّرَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ
عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نسلم عَلَيْك فَترد علينا، فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ لم ترد عَلَيْنَا.
قَالَ: " إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغُلًا ".
وَقَدْ روى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ: وَهُوَ يُقَوِّي تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الثَّابِتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ: " وَقومُوا لله قَانِتِينَ " (1 فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ ".
عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ زَيْدًا أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ، وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ ثَبَتَ بِمَكَّةَ، فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا ذِكْرُهُ الْآيَةَ وهى مَدِينَة فَمُشْكِلٌ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهَا الْمُحَرِّمَةُ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُحَرِّمُ لَهُ غَيْرَهَا مَعَهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * * قَالَ ابْن إِسْحَق: وَكَانَ مِمَّن دخل مِنْهُم بجوار (2) [فِيمَا سمى لنا (3) ] عُثْمَان بن
__________
(1) سُورَة الْبَقَرَة 238 (2) الاصل: وَكَانَ مِمَّن دخل مَعَهم بجوار.
وَهُوَ تَحْرِيف، وَمَا أثْبته عَن ابْن هِشَام (3) من ابْن هِشَام.
(*)

الصفحة 59