كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 2)
فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَزْمَ الْأَعْشَى عَلَى الْقُدُومِ لِلْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَفِي شِعْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَلَا أَيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ * فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا وَكَانَ الْأَنْسَبُ وَالْأَلْيَقُ بِابْنِ هِشَامٍ أَنَّ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى مَا بعد الْهِجْرَة وَلَا يوردها هَا هُنَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنَ ابْنِ هِشَامٍ وَمَنْ تَابَعَهُ، فَإِنَّ النَّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ
لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهَا إِلَّا فِي الْمَدِينَة بَعْدَ أُحُدٍ.
وَقَدْ قَالَ: وَقِيلَ إِنَّ الْقَائِلَ لِلْأَعْشَى هُوَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي دَار عتبَة ابْن رَبِيعَةَ.
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْقَائِلَ لَهُ ذَلِكَ هُوَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فِي بِلَادِ قَيْسٍ، وَهُوَ مُقْبِلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَقَوله: ثمَّ آته فَأُسْلِمُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كُفْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَالله أعلم.
ثمَّ ذكر ابْن إِسْحَاق هَا هُنَا قِصَّةَ الْإِرَاشِيِّ وَكَيْفَ اسْتَعْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ فِي ثَمَنِ الْجَمَلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَكَيْفَ أَذَلَّ اللَّهُ أَبَا جَهْلٍ وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ حَتَّى أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ، وَمَا كَانَ مِنْ أذية الْمُشْركين عِنْد ذَلِك.
(6 - السِّيرَة - 2)
الصفحة 81