كتاب مختصر تفسير ابن كثير (اسم الجزء: 2)
- 4 - وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ
- 5 - فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
- 6 - فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
- 7 - فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ
يَقُولُ الله تَعَالَى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أَيْ بِمُخَالَفَةِ رسلنا وتكذيبهم فأعقبهم ذلك خزي الدينا مَوْصُولًا بِذُلِّ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ به يستهزئون}، وكقوله: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}، وقال تعالى:
- 26 - سورة الشعراء، وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ مَالِكٍ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ تَسْمِيَتُهَا سورة (الجامعة).
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - طسم
- 2 - تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
- 3 - لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
- 4 - إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ
- 5 - وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ
- 6 - فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
- 7 - أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
- 8 - إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
- 9 - وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي أول تفسير سورة البقرة، وقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} أَيْ هَذِهِ آيَاتُ القرآن المبين، أي البيِّن الواضح الجلي، الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ} أَيْ مُهْلِكٌ {نَفْسَكَ} أَيْ مِمَّا تحرص وَتَحْزَنُ عَلَيْهِمْ {أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}، وَهَذِهِ تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عليهم حسرات}، كقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ} الآية. قال مجاهد وعكرمة {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ}: أي قاتل نفسك، ثم قَالَ تَعَالَى: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} أَيْ لَوْ نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً، ولكن لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّا لَا نُرِيدُ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا الْإِيمَانَ الِاخْتِيَارِيَّ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جميعا}، وقال تَعَالَى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} الآية، فَنَفَذَ قَدَرُهُ وَمَضَتْ حِكْمَتُهُ، وَقَامَتْ حُجَّتُهُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ عليهم، ثم قال تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ} أَيْ كُلَّمَا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ السَّمَاءِ أَعْرَضَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {كُلَّمَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كذبوه} الآية. ولهذا قال تعالى ههنا: {فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ فَقَدْ كَذَّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْحَقِّ، فَسَيَعْلَمُونَ نَبَأَ هَذَا التَّكْذِيبِ بَعْدَ حِينٍ، ثم نبَّه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره، وَهُوَ الْقَاهِرُ الْعَظِيمُ الْقَادِرُ
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} أَيْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ، {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ} أَيْ مُطْبَقَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا، قال أبو هريرة {مُّؤْصَدَةٌ} أي مطبقة، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: مُغْلَقَةُ الْأَبْوَابِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَصَدَ الباب أي أغلقه، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {مُّؤْصَدَةٌ} حَيْطٌ لَا بَابَ لَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ {مُّؤْصَدَةٌ}: مُطْبِقَةٌ فَلَا ضَوْءَ فِيهَا وَلَا فُرَجَ وَلَا خُرُوجَ مِنْهَا آخِرَ الْأَبَدِ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ بِكُلِّ جَبَّارٍ وَكُلِّ شَيْطَانٍ، وَكُلِّ مَنْ كَانَ يَخَافُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا شره، فأوثقوا بالحديد، ثُمَّ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ ثُمَّ أَوْصَدُوهَا عَلَيْهِمْ أَيْ أَطْبَقُوهَا، قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ لَا تَسْتَقِرُّ أَقْدَامُهُمْ عَلَى قَرَارٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَنْظُرُونَ فِيهَا إِلَى أَدِيمِ سَمَاءٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا تَلْتَقِي جُفُونُ أَعْيُنِهِمْ عَلَى غَمْضِ نَوْمٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَذُوقُونَ فيها بارد شراب أبداً (أخرجه ابن أبي حاتم).
- 91 - سورة الشمس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- 1 - وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
- 2 - وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا
- 3 - وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا
- 4 - وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا
- 5 - وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا
- 6 - وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا
- 7 - وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
- 8 - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
- 9 - قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا
- 10 - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
قَالَ مُجَاهِدٌ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}: أَيْ وَضَوْئِهَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَضُحَاهَا} النَّهَارُ كُلُّهُ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِالشَّمْسِ وَنَهَارِهَا، لِأَنَّ ضَوْءَ الشَّمْسِ الظَّاهِرَ هُوَ النَّهَارُ، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا} قال مجاهد: تبعها، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا} قَالَ: يَتْلُو النَّهَارَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا تَلَاهَا لَيْلَةَ الْهِلَالِ إِذَا سَقَطَتِ الشَّمْسُ رُؤِيَ الْهِلَالُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ يَتْلُوهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، ثُمَّ هِيَ تَتْلُوهُ وَهُوَ يَتَقَدَّمُهَا
الصفحة 643