كتاب مختصر تفسير ابن كثير (اسم الجزء: 2)
- 146 - أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ
- 147 - فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
- 148 - وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ
- 149 - وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ
- 150 - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
- 151 - وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ
- 152 - الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولا يصلحون
يقول لهم واعظاً لهم ومحذرهم نِقَمَ اللَّهِ أَنْ تَحِلَّ بِهِمْ، وَمُذَكِّرًا بِأَنْعُمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ الدَّارَّةِ، وأنبت لهم من الجنات، وفجر لَهُمْ مِنَ الْعُيُونِ الْجَارِيَاتِ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثَّمَرَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال ابن عباس: أينع وبلغ فهو هضيم، وعنه يقول: معشبة، وقال مجاهد: هو الذي إذا يبس تهشم وتفتت وتناثر، وقال ابن جريج عن مجاهد {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قَالَ: حِينَ يَطْلُعُ تَقْبِضُ عَلَيْهِ فَتَهْضِمُهُ، فَهُوَ مِنَ الرُّطَبِ الْهَضِيمِ، وَمِنَ الْيَابِسِ الْهَشِيمِ، تَقْبِضُ عَلَيْهِ فَتُهَشِّمُهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وقَتَادَةُ: الْهَضِيمُ الرَّطْبُ اللَّيِّنُ، وَقَالَ الضَّحَاكُ: إِذَا كثر حمل الثمرة وركب بعضها بعضاً فهو هضيم، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا نَوَى لَهُ، وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ: مَا رَأَيْتُ الطَّلْعَ حين ينشق عَنْهُ الْكُمُّ فَتَرَى الطَّلْعَ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَهُوَ الْهَضِيمُ. وَقَوْلُهُ: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِين} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي حَاذِقِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: شَرِهِينَ أَشِرِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مُجَاهِدٍ وَجَمَاعَةٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ تِلْكَ الْبُيُوتَ الْمَنْحُوتَةَ فِي الْجِبَالِ أَشَرًا وَبَطَرًا وَعَبَثًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقين لِنَحْتِهَا وَنَقْشِهَا، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ حَالِهِمْ لِمَنْ رَأَى مَنَازِلَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} أي أقبلوا على مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم، لتعبدوه وتوحده وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ الدُّعَاةَ لَهُمْ إِلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ومخالفة الحق.
- 153 - قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ
- 154 - مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
- 155 - قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
- 156 - وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
- 157 - فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ
- 158 - فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
- 159 - وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرحيم
الأشرف منه، ثم الأشرف منهما، وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَشَكْلٍ؛ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، سَوِيَّ الْأَعْضَاءِ حَسَنَهَا. {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي إلى النار (قاله مجاهد والحسن وأبو العالية وابن زيد)، أي بَعْدَ هَذَا الْحُسْنِ وَالنَّضَارَةِ، مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ إِنْ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَيَتَّبِعِ الرُّسُلَ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، وَقَالَ بعضهم: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} إلى أَرْذَلِ العمر (وروي هذا القول عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ، حَتَّى قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)، وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمَا حَسُنَ اسْتِثْنَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْهَرَمَ قَدْ يُصِيبُ بَعْضَهُمْ، وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وعملوا الصالحات}، وَقَوْلُهُ: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أَيْ غَيْرُ مقطوع، ثم قال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} أي يَا ابْنَ آدَمَ {بَعْدُ بِالدِّينِ}؟ أَيْ بِالْجَزَاءِ في المعاد، ولقد عَلِمْتَ الْبَدْأَةَ وَعَرَفْتَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَدْأَةِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّجْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى:، فَأَيُّ شَيْءٍ يَحْمِلُكَ عَلَى التَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ وَقَدْ عرفت هذا؟ روى ابن أبي حاتم عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ، قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين} عنى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «مَعَاذَ الله» عنى به الإنسان (أخرجه ابن أبي حاتم)، وقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أَيْ أَمَا هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ أحداً، ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ ظَلَمَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: فَإِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَأَتَى عَلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ من الشاهدين.
الصفحة 655