كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 2)

-سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
فِي أَوَائِلِهَا - عَلَى الْأَشْهَرِ - وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ، وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَرَأْسُ الْكُفْرِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ. فَقَتَلَهُ اللَّهُ.
-وَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ:
-أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ، قِيلَ: اسْمُهُ مَهْشَم. [المتوفى: 12 ه]
أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ، وشهد بدرا وما بعدها، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ - الَّذِي حَرَّضَ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى قِتَالِ عُثْمَانَ - مِنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو.
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: دَعَا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَاهُ إلى البراز، فقالت أخته هند بن عُتْبَةَ وَهِيَ وَالِدَةُ مُعَاوِيَةَ:
الْأَحْوَلُ الْأَثْعَلُ الْمَلْعُونُ طَائِرُهُ ... أَبُو حُذَيْفَةَ شَرُّ النَّاسِ فِي الدِّينِ
أَمَا شَكَرْتَ أَبًا رَبَّاكَ مِنْ صِغَرٍ ... حَتَّى شَبَبْتَ شَبَابًا غَيْرَ مَحْجُونِ
قال: وكان أبو حذيفة طويلا، حسن الوجه، مرادف الأسنان، وهو " الأثعل "، وكان أحول، وقتل يوم اليمامة، وله ثلاث وخمسون سنة، رضي الله عنه.
-سَالِمُ مولى أبي حذيفة بن عُتْبةَ [المتوفى: 12 ه]
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: هُوَ سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ، أَصْلُهُ مِنْ إِصْطَخْرَ، وَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ. وَإِنَّمَا أَعْتَقَتْهُ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ الْأَنْصَارِيَّةُ زَوْجَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو أَتَتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَتْ: سَالِمٌ مَعِي، وَقَدْ أَدْرَكَ مَا يُدْرِكُ الرِّجَالُ! فَقَالَ: " أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا أَرْضَعْتِيهِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْكِ مَا -[37]- يَحْرُمُ مِنْ ذِي الْمَحْرَمِ ".
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَبَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الرَّضَاعِ، وَقُلْنَ: إِنَّمَا هَذَا رُخْصَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِسَالِمٍ خَاصَّةً.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ.
وقال الواقدي: حدثني أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَ سَالِمُ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ بِقُبَاءٍ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ حَنْظَلَةُ بن أبي سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَبْطَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: مَا حَبَسَكِ؟ قُلْتُ: إِنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَأَحْسَنَ مَنْ سَمِعْتُ صوتا بالقرآن، فأخذ رداءه وخرج يستمعه، فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذيْفَةَ. فَقَالَ: " الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَكَ ". إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ نَزَلُوا بِالْعُصْبَةِ إِلَى جَنْبِ قُبَاءٍ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ. -[38]-
وفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " قال: حدَّثَنَا عَفَّانُ قال: حدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ - أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللَّهِ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَائْتَمَنَكَ النَّاسُ! وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَائْتَمَنَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا، وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بن ثابت بن قيس بن شماس قال: لَمَّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً، فَقَامَ فِيهَا وَمَعَهُ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا سنة اثنتي عشرة رضي الله عنه.
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: إِنَّ سَالِمًا بَاعَ عُمَرَ مِيرَاثَهُ، فَبَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهَا أُمَّهُ فَقَالَ: كُلِيهَا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وُجِدَ سَالِمٌ وَمَوْلَاهُ رَأْسُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ رِجْلَيِ الْآخَرِ صَرِيعَيْنِ.
وَقَدْ شَهِدَ سَالِمٌ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ.

الصفحة 36