كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

قوله: {أَذَاعُوا بِهِ} يعني: نشروه على فهمهم الخاطئ، لا على الصواب؛ لأنهم ليس عندهم ذاك العمق في فهم كتاب الله عزّ وجل، وهذا نتيجة لقوله في الآية التي قبلها {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، فتجدهم يذيعون الأمر من الأمن أو الخوف، مع أن الأمن ليس فيه أمن, والخوف ليس فيه خوف، لكنهم فهموا ذلك فضلوا وأضلوا.
وقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} "ال" في قوله: {الرَّسُولِ} فيه للعهد الذهني، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ}، أولو الأمر هنا يتعين أنهم العلماء؛ لأنهم هم أهل العلم الذين ورثوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته، والذين شاركوه فيما شاركوه فيه في حال حياته.
وقوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} {لَعَلِمَهُ} أي: علم الأمر على الوجه المراد من الأمن أو الخوف قوله: {الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه، وأصل الإستنباط من نبط، يعني: استخراج الماء، وسمي استخراج الماء استنباطًا لأنه كان يستخرجه فيما سبق الأنباط الذين ليسوا من العرب، فكانوا هم الذين يحفرون عن الماء حتى يصلوا إلى غايته، ولكن المراد بالإستنباط في الألفاظ هو: استخرج المعاني؛ أي: لعلمه الذين يستخرجون المعاني التي تخفى على هؤلاء.
ثم قال: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} صدق الله عزّ وجل؛ فلولا فضله أي: عطاؤه، ورحمته أي: إحسانه لضل جميع الخلق، والمراد بالرحمة هنا ليست صفة الله عزّ وجل، بل المراد ثمرات هذه الصفة، وهو إحسانه عزّ وجل إليهم.

الصفحة 23