كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

بعض، ولا بين المفاسد بعضها مع بعض، ولا بين المصالح وبين المفاسد، وإنما يذيعون الشيء وينشرونه بدون تحقيق ولا تمحيص، وهذا من دأب المنافقين؛ لأن الله تعالى ذكرهم في هذا السياق، فقال: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} [النساء: ٨١].
٦ - أن أولي الأمر حقيقة هم العلماء لقوله: {وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} وهذا كالتفسير لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] فإن أولي الأمر في هذه الآية تشمل العلماء والأمراء، ولكن العلماء في المقدمة؛ إذ أن الأمراء منفذون لما يقوله العلماء من شريعة الله، فالأصل هم العلماء، والأمراء يلزمهم أن ينفذوا ما قاله العلماء من شريعة الله، فهم في الحقيقة تابعون للعلماء، وليس العلماء تابعين لهم، اللهم إلا أن يقدر الله أمرًا تنعكس فيه الأحوال، ويكون العلماء وراء الأمراء فإن هذا انقلاب وعكس، إذ إن الواجب أن يكون الأمراء خلف العلماء؛ لأن العلماء عندهم من شريعة الله ما ليس عند الأمراء لا سيما في الأزمان المتأخرة، أما في عهد الخلفاء الراشدين فالخليفة هو أعلم الناس بشريعة الله.
٧ - التعمق في التثبت، ويؤخذ من قوله: {الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} ولم يقل: يعلمونه، وهنا إظهار في موضع الإضمار؛ لأن الأصل: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلموه، لكنه قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ}، فأظهر في موضع الإضمار لهذه الحكمة؛ أي: إن هؤلاء لهم نظر بعيد عميق كالذي يستنبط الماء، وهو مأخوذ من استخراج الماء؛ لأن الأنباط هم الذين

الصفحة 27