كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

والسلام، أثرت فيها ألمًا، حتى قال في مرضه: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني، وهذا أوان انقطاع الأبهر مني" (¬١)، ولهذا ذهب بعض التابعين - وأظنه الزهريّ - إلى أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من النبيين الذين قتلتهم بنو إسرائيل.
٤ - أن سؤال الإنسان أن يرى الله جهرة من أكبر العدوان، لقوله: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} وهل يؤخذ منه أنه يمتنع في الدنيا أن يرى أحد ربه؟
الجواب: نعم، الظاهر أنه يؤخذ منه؛ لأن الله قال: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ}؛ لأنه لو كان يمكن لكان سؤالهم ليس بذاك الشنيع، لكنه لا يمكن أن يرى الله في الدنيا، ويدل لهذا: أن موسى عليه السلام قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] لكن قول موسى {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} ليس كقول هؤلاء {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} فبينهما فرق، فموسى سأل الرؤيا شوقًا إلى الله {عزّ وجل، ومحبة لرؤيته، اللهم لا تحرمنا إياها, لكن بنو إسرائيل قالوا ذلك تحديًا وعنادًا واستكبارًا، فقال الله له: {لَنْ تَرَانِي} أي: لا يمكن، ثم ضرب الله له مثلًا فقال: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: ١٤٣] فقوله: {اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} أي على ما هو عليه، {جَعَلَهُ دَكًّا} جعله مندكًا بالمرة، صار كالرمل، ولم يهرب
---------------
(¬١) رواه أبو داود، كتاب الديات، باب فيمن سقى رجلًا سمًا أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ (٤٥١٢)؛ ورواه الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله به النبي - صلى الله عليه وسلم - (٦٧).

الصفحة 413