لهارون وبين هارون وبينها سنين طويلة؟ أورد هذا على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم، وإن هارون أخا مريم ليس هو هارون أخا موسى، لكن كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم، حتى وصل إلى هارون أخي مريم" (¬١).
وقد وصفها الله تعالى بأنها: {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: ٩١]، وأنها أبعد ما يكون عن البغي، مع أن بني إسرائيل قالوا: لها {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: ٢٨] هذا نفي، ولا يمدحون بذلك أباها وأمها، أبوها ليس {امْرَأَ سَوْءٍ} وأمها ليست {بَغِيًّا}، وإنما المراد رميها بالزنا؛ كأنهم يقولون من أين جاءكِ هذا؟ ! الأم طاهرة، والأب بعيد عن السوء، ولهذا ذهب بعض العلماء الفقهاء إلى أنَّ القذف بالتعريض يجب به الحد، فلو تنازع شخصان وقال: أحدهما للآخر الحمد لله، أنا محصن الفرج، عفيف، ما زنيت، هو يقول عن نفسه، والمعنى أنك أنت بالعكس، ولهذا قال بعض العلماء: أنه يجب أن يحد؛ لأن هذا التعريض أشد.
وقوله: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} حيث قالوا: إنها كانت بغيًا، ويلزم من ذلك أن يكون عيسى أحد الأنبياء أولي العزم ولد زنا - والعياذ بالله! - وهذا بهتان عظيم، ونظير ذلك ما وقع من المنافقين في عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)} [النور: ١٢] بيِّن، {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ
---------------
(¬١) رواه مسلم، كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب (٢١٣٥).