كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

شرعه الله لعباده، وسمي سبيل الله؛ لأنه طريق موصل إلى الله عزّ وجل؛ ولأن الله تعالى هو الذي وضعه للعباد، ولم يشرعه أحد سواه، فأضيف إلى الله تعالى باعتبارين: الإعتبار الأول: أنه موصل إليه، كما تقول: هذا طريق المدينة، وهذا طريق مكة، والثاني: أن الله هو الذي وضعه للعباد وشرعه لهم، مع أنه يضاف أحيانًا للسالكين؛ كقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] فهنا أضاف السبيل إلى المؤمنين باعتبار أنهم سالكوه، وعلى هذا فإذا أضيف السبيل إلى الله كان باعتبارين، وإذا أضيف إلى العباد صار باعتبار واحد.
وقوله: {كَثِيرًا} يختلف إعرابها باختلاف كلمة صدّ، فإن كانت لازمة فهي صفة لمصدر محذوف؛ أي: "صدودًا كثيرًا" وإن كانت متعدية فهي مفعول لصدّ، وإن شئت قلت: صفة لمفعول صدّ المحذوف؛ أي: "خلقًا كثيرًا"، وهم في الواقع جديرون بالوصفين فأنهم صدوا بأنفسهم، وصدوا غيرهم.
قوله: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} هذا الوصف الثالث {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} ولم يقل أكلهم؛ لأن الأخذ أعم، فقد يأخذ إنسان الربا ولا يأكله، فيستعمله في لباس أو في بناء أو ما أشبه ذلك، وقد يأخذه للأكل، فتارةً يعبر بالأكل؛ كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥] وتارةً يعبر بالأخذ وهو أعم، لكن التعبير بالأكل أشد؛ لأن ممارسة الآكل للربا أشد من ممارسة غير الآكل، إذ أن الآخذ يستعمل الربا، وقد يفيده في أمور أخرى غير الأكل.

الصفحة 457