كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

٨ - وصف كلام الله تعالى بالحديث لقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} وهو كذلك، لكن هل الحديث بمعنى الخبر، أو يجوز أن يكون المراد به أنه حادث لتكلم الله به؟ الجواب: الثاني هو المراد، فكلام الله عزّ وجل باعتبار أصله من الصفات الذاتية؛ لأنه تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢].
فإن قال قائل: فهل عندكم دليل على أن كلام الله حادث، يعني: باعتبار آحاده؟
قلنا: هناك أدلة، وليس دليلًا واحدًا، استمع إلى قول الله تبارك تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: ١]، فإن "قد" للتحقيق و {سَمِعَ} فعل ماضٍ يقتضي أن يكون المسموع سابقًا للخبر عنه، وأن الخبر عنه لاحق، ومعلوم إن المرأة إنما شكت إلى النبي عليه الصلاة والسلام في أمر حادث.
وقال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢]، وقال تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: ١٢١]، والآيات في هذا كثيرة.
فإن قيل: إذا قلت بأن كلام الله حادث لزم أن يكون الله تعالى حادثًا؛ لأن الحوادث لا تكون إلا من حادث! فالجواب: هذا غير صحيح، فلا يلزم من قيام الحوادث بالله عزّ وجل أن يكون هو حادثًا، أليس الله تعالى يقول: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤]، و {ثُمَّ} تفيد الترتيب.
إذًا: الإستواء فعل كان بعد خلق السماوات والأرض،

الصفحة 48