كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} {وَدُّوا} الفاعل هم المنافقون؛ لأن السياق فيهم.
وقوله: {لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} {لَوْ} هنا مصدرية؛ أي: ودوا كفركم، فهي بمنزلة "أن" و"لو" تأتي لمعانٍ متعددة، تأتي مصدرية كما هنا، وتأتي للتمني، وتأتي شرطية، وتكون حرف امتناع لامتناع، وإذا أردت أن تعرف معاني الحروف فعليك بكتاب "المغني" لابن هشام رحمه الله، فإنه يأتي بالكلمة ويبين معانيها.
يقول عزّ وجل: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} أي: ككفرهم، وعلى هذا فـ "ما" هنا مصدرية، ولا يصح أن تكون موصولة؛ لأن المراد ودوا لو تكفرون ككفرهم.
وكفر المنافقين كفر غريب، فهم كما قال الله عنهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: ١٤] فهو كفر مستور، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، هم يودون أن كل الناس يفعلون هكذا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فيؤمنون ظاهرًا ويكفرون باطنًا؛ ولهذا قال الله عزّ وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: ١١٠]؛ أي: أن قومهم كذبوهم في دعوى الإيمان بهم، فقالوا: إنهم مؤمنون وهم لم يؤمنوا، هذا معنى قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}، وفيها قراءة سبعية "وظنوا أنهم قد كُذِّبُوا" أي: أيقنوا أنهم مكذبون، {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}.
قوله: {فَتَكُونُونَ سَوَاءً} هنا الفاء عاطفة، وليست جواب "لو"؛ لأن "لو" ليست شرطية، وقوله: {فَتَكُونُونَ سَوَاءً} أي:

الصفحة 55