كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

فتكونون معهم سواءً لا فضل لكم عليهم، وهذا بمقتضى طبيعة الإنسان أنه يود إذا سلك منهجًا أن يسلكه الناس معه، فكل إنسان سواء صاحب الخير أو صاحب الشر يود إذا سلك منهجًا أن يسلكه الناس، وهؤلاء ودوا أن المؤمنين يكفرون كما كفروا {فَتَكُونُونَ سَوَاءً}.
قال الله تعالى محذرًا عنهم وعن موالاتهم: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقوله: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} أي: يوالونكم أو توالونهم، يعني: لا تتخذوا منهم أولياء؛ لأنهم أعداء، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: ١]، وكذلك لا تتخذوا منهم أولياء توالونهم أنتم؛ لأن موالاة الكفار كفر.
وقوله: {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {حَتَّى} هنا للغاية، يعني: استمروا في عداوتهم {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
واعلم أن {حَتَّى} تكون غاية، وتكون علة، ففي قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: ٧] يتعين أنها علة، وفي قوله: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: ٩١] هذه غاية، والله أعلم.
وقوله: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: لا تتخذوا أولياء توالونهم أو يوالونكم، أما كونكم لا توالونهم فظاهر؛ لأنهم لم يتموا ما عليهم من المهاجرة، وأما كونكم لا تطمعون في أن يكون أولياء لكم؛ فلأن من كان على غير دينك لا يمكن أن يعينك أو أن ينصرك.
وقوله: {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} اختلف في المراد

الصفحة 56