كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 2)

وقوله: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} هؤلاء قسم رابع {يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}، ولا يمكن هذا إلا بالنفاق، فإذا جاءوكم {قَالُوا آمَنَّا} فأمنوا {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: ١٤] فنافقوا، فهم يريدون أن يكون مرضين لهؤلاء وهؤلاء ولا يمكن هذا، لا يمكن أن ترضى أولياء الله وأعداءه في آن واحد؛ لأن أولياء الله وأعداء الله كلهم أعداء، ولا يمكن لعدو الله أن يوالي وليًا لله، أو بالعكس، فهؤلاء ليسوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ لأنهم ليسوا مع المسلمين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكفار ظاهرًا، لكن في الباطن هم معهم.
وقوله: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} يعني: أن مآلهم الفتنة - والعياذ بالله! - والضلال، والمراد بالفتنة هنا: الخروج من الإِسلام، وقوله: {أُرْكِسُوا فِيهَا} يعني: ازدادوا ركسًا وعمقًا فيها، وبعدًا عن الهدى، وهكذا كل إنسان يريد الفتنة فإنه يزداد شرًا وإيغالًا في الفتنة.
وقوله: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} يعني: إن ظهرت عداوتهم لكم، ولم يعتزلوكم حتى يتبينوا ويظهروا {وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} يعني: الإستسلام أو المسالمة، والظاهر أن المراد المعنيان.
وقوله: {وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ} عنكم بالإيذاء {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} خذوهم أسرًا، واقتلوهم إماتة {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أي: حيث وجدتموهم، كما قال تعالى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} [الممتحنة: ٢] أي: إن يجدوكم.
وقوله: {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} {وَأُولَئِكُمْ}

الصفحة 65