كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)
عجزوا عن هذه المرتبة، ودفعوا أن يكون هذا لأحد كائناً، ولو عرفوه حق المعرفة، لماتت عنهم شهوات الدنيا، وحب الرئاسة، والشح على الدنيا، والتنافس في أحوالها، فطلبوا العز وحب الثناء والمحمدة، ترى أحدهم قد بقي سمعه مصغياً إلى ما يقول الناس له وفيه، وعينه شاخصةً إلى ما ينظر الناس إليه منه، وقد عميت عيناه عن النظر إلى صنع الله وتدبيره؛ فإن الله {كل يومٍ هو في شأنٍ}، وقد صم سمعه عن مواعظ الله، يقرأ القرآن، ولا يلتذ به، ولا يجد له حلاوةً، كأنه إنما عنى بذلك غيره، فكيف يلتذ بما كلم به غيره، وإنما صار كذلك؛ لأن الله تعالى إنما خاطب أولي العقول والبصائر والألباب، فمن ذهب عقله وبصيرته ولبه في شأن نفسه ودنياه، كيف يفهم كلام رب العالمين، ويلتذ به، ويجلو بصره، وهو يرى صفة غيره، وإنما وقع البر واللطف على أهل تلك الصفة، وإياهم خاطب.
(وقد تبدلت صفة هذا وقعنا في واد عريض مما كنا فيه، فلا نقدر أن نستقصي صفة ذلك، ولا يفرغ ما في صدورنا إلى يوم القيامة بين يدي رب العالمين، وإنما خاطب الله بما خاطب من هذه اللطائف في تنزيله لذوي