كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)
العقول منهم، لا الأبدان، فإذا ذهبت العقول، ضاعت المخاطبة، فإذا ردوا العقول إلى الله منيبين إليه، أدركتهم مخاطبته، فلذوا بلطائفه)).
عدنا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ((إذا حدثتم عني بحديثٍ تعرفونه ولا تنكرونه، قلته أو لم أقله، فصدقوا به؛ فإني أقول ما يعرف ولا ينكر، وإذا حدثتم عني بحديثٍ تنكرونه ولا تعرفونه، فكذبوا به؛ فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف)).
فمن تكلم بعد الرسول بشيء من الحق، وعلى سبيل الهدى، فالرسول سابق إلى ذلك القول، وإن لم يكن تكلم بذلك اللفظ الذي أتى به من بعده، فقد أتى الرسول بأصله مجملاً، فلذلك قال: ((فصدقوا به، قلته أو لم أقله))، وإن لم أقله بذلك اللفظ الذي تحدث به عني، فقد قلته؛ إذ جئت بالأصل، والأصل يؤدي إلى الفرع، فجاء الرسول بالأصل، ثم تكلم أصحابه والتابعون من بعده بالفروع، فإذا كان الكلام معروفاً عند أهل التحقيق، غير منكر، فهو قول الرسول، قاله أو لم يقله، يجب علينا تصديقه؛ لأن الأصل قد قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطاناه، وإنما قال ذلك لأصحابه الذين قد عرفهم بالحق، فإنما يعرف الحق المحق، وهم أولو الألباب والبصائر، فأما المخلط المكب على شهوات الدنيا، المحجوب عقله عن الله، فليس هو المعني بهذا؛ لأن صدره مظلم، فكيف يعرف الحق، وإنما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إذا جاءكم عني حديثٌ تعرفونه ولا تنكرونه)).