كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)

هو الحق، وعليه النور، وبين الحلال والحرام شبهاتٌ، فذلك الذي يسكن إليه القلب ويضطرب، فما سكن عليه القلب، فهو لاحقٌ بالحلال، وما نفر عنه القلب، فهو لاحقٌ بالحرام.
هذا عند المحققين الذين وصفناهم بطهارة القلب، ونور اليقين في صدورهم، فكل ذكر في صدورهم مما أحله التنزيل سكن إليه القلب والنفس، وما حرمه التنزيل نفر عنه القلب، واضطربت النفس، وما اشتبه على العامة وعلماء الظاهر أمره، فعلى قلوبهم بيان ذلك، أهو مما يلحق بالحلال، أم يلحق بالحرام؟ فإن سكن القلب إليه، ألحقه بالحلال، وإن اضطرب قلبه، ونفر منه، ألحقه بالحرام، هذا لأهل اليقين، وطهارة القلوب، لا شبهة لا تخلو من أن تكون حراماً أو حلالاً.
وإنما اشتبه عند علماء الظاهر؛ لأنهم لم يجدوا فيه تنزيلاً، ولا أثراً منصوصاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فتشبه عندهم مرة بالحلال، ومرة بالحرام، وأفسدوا الشاهد الذي في قلوبهم، والحجة التي اتخذ الله عندهم، كما أفسدوا عقولهم فدنسوها، وأفسدوا إيمانهم فأسقموه، وأفسدوا جوارحهم الطاهرة فلطخوها به، وأفسدوا طريقهم إلى الله فسدوها.
وإنما صير رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة علامةً لقلوب ما ملكت النفوس، وخلت من وسواسها الصدور، لا القلوب التي قد ملكتها نفوسها، وأشحنت بوسواسها صدورها، وقال الله في تنزيله: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً. وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً. ولهديناهم صراطاً مستقيماً}. فوعد الهداية على فعل ما يوعظ به، والأجر العظيم في الآخرة، والثبات في الدنيا.

الصفحة 42