كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)
قال أبو عبد الله: فهذه الآية، وقوله: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً} بمعنى واحد؛ لأن تقوى الله هو الفعل بما يوعظ به، فقال هاهنا: {يجعل لكم فرقاناً}، وقال هنا: {ولهديناهم صراطاً مستقيماً}.
والهداية في القلب، والفرقان في القلب، وهو نور يجعله في قلبه، فيشرق به صدره، وينجلي عن صدره ظلمة الهوى والشهوات، ورين الذنوب، فإذا ورد عليه أمر هو حقٌّ، عرفه؛ لأنهما قد التقيا، فائتلفا، وإذا ورد عليه باطل، عرفه؛ لأن القلب قد نفر منه عند التقائه، فقد أعلم في الآيتين أن هذا لأهل التقوى، وللفاعلين بوعظه، وإنما احتاجت العامة بعد ذلك إلى الشرح والبيان، وإلى تنصيص الأمور وتلخيصها على ألسنة علماء الظاهر؛ لما دخل عليهم من آفة النفس وتخليطها، فقد تراكمت على نفوسهم سحائب تترى من حب الدنيا، وحب العلو، (وحب الثناء، وحب الرياسة، وحب الشهوات، وفتن الدنيا، ورين القلوب).
فإذا عرض في الصدر ذكر شيء هو حقٌّ، وعلى الحق نورٌ، حالت الظلمة بين نور القلب، ونور الحق الذي ورد على القلب، فلم يمتزجا، ولم يعرف القلب ذلك الحق، فصاحبه في حيرة منه.
وإذا عرض أمرٌ هو باطل، وعلى الباطل ظلمةٌ، امتزج الباطل بظلمة